أرشيف المدونة الإلكترونية

الاثنين، 5 مايو 2014

القديس العظيم في الشهداء جاورجيوس اللابس الظفر


القديس العظيم في الشهداء جاورجيوس اللابس الظفر

من أبرز قدّيسي كنيسة المسيح وأكثرهم شيوعاً في إكرام العامّة من المؤمنين. في الأودية السابعة من قانون السّحر نرتّل له: "أيها الشّهيد إنّ اسمك العجيب يُشاد به في كلّ الأرض، لأنّه لا يوجد بَرّ ولا بحر ولا مدينة ولا قفر إلاّ وتتدفّق فيه، بالحقيقة، مجاري عجائبك الغزيرة". يتخذ المؤمنون اسمه أكثر، فيما يبدو، من اسم آخر. وقد اعتادت الكنيسة، هنا وثمّة، على تسمية العديد من الكنائس باسمه، منذ القرن الرّابع الميلادي. كنيسة القدّيس جاورجيوس، في تسالونيكية مثلاً، تعود، في نظر الدارسين إلى تلك الفترة. 

إلى ذلك يُستفاد من النقوش القديمة اقتران اسمه بالعديد من الكنائس الخربة في سوريا وبلاد ما بين النهرين ومصر. ويبدو أن مركز إكرامه، منذ القديم، كان اللدّ (ديوسبوليس). فهناك عدد من الرحّالة المبكّرين، من الذين حجّوا إلى الأرض المقدّسة، بين القرنين السادس والثامن للميلاد، يذكرون اللدّ باعتبارها مقام القدّيس وموضع استراحة رفاته. الراهب دانيال الكييفي، في مطلع القرن الثاني عشر، أشار إلى كنيسة كبيرة في اللدّ حملت اسم القدّيس جاورجيوس. ويوحنا فوقا الكريتي وصف تلك الكنيسة، في حدود العام 1185م بأنها "عظيمة جداً" وأنها مستطيلة الشكل وبإمكان المرء أن يرى فوهة ضريح القدّيس، تحت المائدة المقدّسة فيها، مغطّاة بالمرمر الأبيض. وإلى اللدّ كانت للقدّيس جاورجيوس مكانة مرموقة في حوران حيث أكثر الكنائس يحمل اسمه إلى اليوم. أبرز الموجود وأقدمه، هناك، كنيسة القدّيس جاورجيوس في إذرع العائدة إلى العام 512م والتي لا تزال قائمة.

في هذه الكنيسة، وراء الهيكل، ينتصب ضريح لا يعرف المؤمنون عنه سوى أنه للقدّيس جاورجيوس. المخطوط السينائي 402، من القرن الثالث عشر، ينقل تقليداً كان متداولاً، أقلّه في القرن العاشر، يفيد بأن القدّيس جاورجيوس استُشهد في حوران. هناك، في مكان لا يحدّده المخطوط تماماً، اكتُشف جسده بصورة عجائبية. وقيل إن عمامته ومنطقته استُودعتا حوران فيما نُقل جسده إلى اللدّ. وكاتب المخطوط يقول عن العمامة والمنطقة إنه "ما أحد يقصدها وبه وجع إلاّ شُفي". فهل يكون ما ضمّه الضريح في كنيسة إذرع هو العمامة والمنطقة؟ ليس هذا بمستبعد!




من جهة أخرى، كانت للقدّيس، في القسطنطينية، قديماً خمس أو ست كنائس ورد أن أقدمها بناه الأمبراطور قسطنطين الكبير. وإلى قسطنطين، أيضاً، ينسبون بناء كنيسة اللدّ، في تلك الفترة عينها. كذلك شيّد الإمبراطور البيزنطي يوستينيانوس الأول (483- 565م) كنيسة لشهيد المسيح في مكان ما من أرمينيا الصغرى. الأمبراطور موريق، أيضاً، بنى واحدة في القسطنطينية في أواخر القرن السادس الميلادي. وفي سيرة القدّيس ثيودوروس السيقي (22 نيسان) ذكر لكنيسة صغيرة باسم القدّيس جاورجيوس كانت مركزاً لحياته النسكية. القدّيس جاورجيوس، في هذه السيرة, يلعب دور المحتضن للقدّيس ثيودوروس. يذكر أن هذا الأخير رقد في حدود العام 613م.

في الغرب يفيد القدّيس غريغوريوس التوري بأن إكرام القدّيس جاورجيوس كان ذائعاً في فرنسا في القرن السادس الميلادي. كما أن البابا غريغوريوس الكبير (540- 604م) أمر بترميم كنيسة قديمة حملت اسم القدّيس، وعملت القدّيسة كلوتيدس، زوجة كلوفيس، أول ملوك فرنسا المسيحيّين، على تشييد هياكل عدّة حملت اسم شهيد المسيح.

هذا وقد اتّخذت بلدان أو مدن كثيرة، في الشرق والغرب، القدّيس جاورجيوس شفيعاً لها. مثال ذلك بلاد الإنكليز والبرتغال وألمانيا وجنوا والبندقية وجيورجيا والروسيا. فرق الكشّافة، بعامة، اعتادت أن تستجير به وكذلك العسكر، والخيّالة بخاصة، والمزارعون والمبتلون بالطاعون والبرص والأمراض الزهرية والجلدية وسواها.

في روسيا عزّز القديس فلاديمير إكرام جاورجيوس في كل البلاد وبنى مدينة يوري، والاسم تصغير جاورجيوس، وكذلك ديراً في نوفغورد وكنيسة في كييف. يوري دولغوروكي (+1157م)، مؤسّس مدينة موسكو، تابع بناء الأديرة والكنائس على اسم القدّيس. وأضحى رسم جاورجيوس وهو يقتل التّنين، شعاراً للقوّات المسلّحة، منذ القرن الرابع عشر. والإيبيريون أي سكان "غروزيا" غيّروا اسم بلادهم وجعلوه "جيورجيا" أي "أرض القدّيس جاورجيوس".



رغم كل ذلك، رغم الحيويّة التي تمتّع بها ذكر القدّيس في كل مكان وزمان، في كنيسة المسيح، فإن أكثر ما نُقل عنه، في سيرته، ينتمي إلى أزمنة متأخرة. في وثيقة تعرف بـ "De Libris recipiendis" تنسب إلى أسقف رومية جيلاسيوس، وتُردّ إلى حوالي العام 495م، يُشار إلى أخبار عن القدّيس جاورجيوس غير مثبتة ويُحصى فيها القدّيس في عداد "الذين أسماؤهم مكرّمة، عن حق، بين الناس، لكن أعمالهم لا يعرفها أحد غير الله".

بالنسبة لأقدم النتف التاريخية عنه ثمّة من يدّعي أن الشهيد الذي ذكره أفسافيوس القيصري في مؤلَّّفه عن تاريخ الكنيسة، الكتاب الثامن، الفصل الخامس، والذي لم يُسمِّه هو إيّاه القدّيس جاورجيوس. لاكسانيتوس أيضاً يذكر الخبر إيّاه الذي ذكره أفسافيوس في كتاب عنوانه "موت المضطهِدين". لاكسانتيوس رقد في العام 320م. ماذا جاء في تاريخ أفسافيوس؟ "حالما أُذيع الأمر الملكي ضدّ الكنائس في نيقوميذية، تقدّم شخص معيّن، لم يكن خامل الذكر، بل ذا مركز رفيع، حرّكته الغيرة الإلهية واشتعلت فيه نيران الإيمان، وأمسك بالأمر الملكي إذ كان معلَّّقاً علانية، ومزّقه إرباً كشيء دنس وقح. وقد تم هذا إذ كان اثنان من الملوك في نفس المدينة. كان الأول أكبر الجميع سناً واحتلّ الثاني رابع مكان في الحكم بعده. على أن هذا الشخص، وقد كان أوّل شهداء ذلك المكان، بعد أن أبرز نفسه بهذه الكيفية، تحمّل تلك الآلام التي كان محتّماً أن تنتج عن جرأة كهذه، وظلّ محتفظاً بالثبات وبهجة الروح حتى الموت".

ملاحظة لا بدّ منها
من المهم أن ندرك أن النقص في المعلومات المبكّرة عن القدّيس جاورجيوس لا يؤثّر في مكانته في كنيسة المسيح وتقوى العامة. وجدان الكنيسة هو الضمانة، والقدّيس كان أبداً، حيّاً بين المؤمنين وفاعلاً. على هذا ليس ما يبرّر، بحال، محاولات مَن يدّعون أنه كائن خرافي. كذلك ليس مقبولاً أن يحطّ أحد من قدره بين القدّيسين، كما فعلت الكنيسة اللاتينية، لما جعلت ذكره السنوي اختيارياً بين الناس، بدءاً من العام 1970م. أما الأخبار المتداولة عنه، والمستفيضة أحياناً، فليس سهلاً التميز فيها بين ما جرى للقدّيس في الواقع وما ساهمت فيه الأجيال المتعاقبة من قصص وأخبار كان القصد منها أولاً وأخيراً إعلاء شأن القدّيس من ناحية، وتقديمه للمؤمنين كنموذج يُحتذى، من ناحية أخرى. هذا لم يكن ليُحسب، بالنسبة للأقدمين، تزويراً ولا تضليلاً بل مساهمة في عرض سيرة القدّيس بطريقة قصصية حيّة تحرّك الأكباد توخّياً لبناء المؤمنين. ولاشك أيضاً أن بعض ما ورد يعكس واقع الزمن الذي برز فيه، وكذلك الصورة التي كانت في وجدان الناس عن الشهيد بعامة أنه من يكون قد كابد جمّاً من الآلام أو اجترح جمّاً من العجائب أو نحو ذلك.





صورته في الخدمة الإلهية
في الخدمة الإلهية التي تقيمها الكنيسة في مناسبة ذكرى القدّيس جاورجيوس جملة من سمات القداسة والشهادة لديه. هو إنسان عرف المسيح فتجنّد له وازدرى ما عداه. وزّع ماله على المساكين وألهب عقله بالغيرة الإلهية. غرس كرمة الإيمان وصار حرّاثاً صالحاً للثالوث القدوس. أعرض عن الجسد بما أنه زائل واهتمّ بحكمة النفس العادمة الفساد. لما قبض عليه مضطهدوه اعترف بالمسيح وتجلّد رافضاً الاشتراك في تقديم أضحية الضلالة لأنها دنسة. تقدّم نحو الجهاد بعزم ثابت. تسلّح بالصليب الطاهر كترس. أقام الشوق بالإيمان وأقصى الخوف بالرجاء. أتمّ السعي وحفظ الإيمان. تألّم مع المخلّص وماثله في الموت بموته الاختياري. وقد حصل مشتركاً مع الفاقد التألّم في آلامه وقيامته. تمنّع بدرع الإيمان وخوذة النعمة ورمح الصليب.

سلك بحسب اسمه فحرث الأرض المجدبة بالضلالة الشيطانية واستأصل أشواك مذهب الأوثان. تقدّم نحو الجهاد بعزم ثابت. تمحّص بأنواع التعذيبات المختلفة كالذهب المنقّى. لسان حاله كان " إني متجنِّد للمسيح ملكي. فلا وحوش ولا بكرات ولا نار ولا سيف يقدر أن يفصلني عن محبّة المسيح". كابد الجلدات والتجريدات والضرب بأعصاب البقر والسجن والطرح في الكلس وباقي التعذيبات والدولاب. التعذيبات الأليمة احتسبها بمنزلة نعيم. أُحرق بالنار لأجل المسيح. قُطع جسمه بجملته عضواً عضواً. وقد صلّبت المخاطر ومرّنت التعذيبات جسده الفاني بحسب الطبيعة والذي أذابته العقوبات المتنوِّعة. حربه لم تكن مع لحم ودم بل مع ضلالات عدوّ الخير. وقد عرقل العدوّ المغتصب وحطمه وانتصر على ضلالته. حصل بطلاً إلهياً وجندياً للملك العظيم. صار شهيداًَ وصديقاً خاصاً للمسيح. المحبة لديه غلبت الطبيعة وأقنعت العاشق بأن يصل إلى المعشوق بواسطة الموت. نال السماويات بالمحبّة وتقبّل من الله إكليل الغلبة ولبس النور فأضحى انتصاره دافعاً "لتمجيد قيامة المخلّص الرهيبة".

في ضوء ما تقدّم أية علاقة تعكس لنا الخدمة الإلهية للشهيد العظيم بالمؤمنين؟ تقول لنا الخدمة إن المؤمنين بتجديد تذكار جراحاته يستقون ينابيع الأشفية وإنه يتشفّع بهم لدى المسيح الإله في كل المسكونة. وهو يحرس المؤمنين ويخلِّصهم إذا دعوه ويقدِّس حياتهم. كما يطرد جسده من البشر كل سقم لأن المسيح يفيض به الأشفية للمؤمنين. وهو يمطر عليهم سيول العجائب الباهرة، وله من المكرّمين إيّاه منزلة الحافظ الساهر. في إحدى قطع صلاة العشاء للعيد، على يا رب إليك صرخت، يتوجّه إليه المؤمن بهذه الطلبة: "أيها المغبوط جاورجيوس، أسألك أن تحفظني متى سافرت في البحر أو البرّ أو كنت هاجعاً في الليل. هبني ذهناً صاحياً. أرشدني إلى إتمام مشيئة الربّ الإله، فأجد في يوم الدينونة الصفح عمّا اجترمته في حياتي، أنا الملتجئ إلى كنف وقايتك".

هذه طبيعة علاقته بالمؤمنين. أما ما تسأله الكنيسة، بعامة، منه فيؤكّد العلاقة الحيّة التي لها به في كل آن ومكان. فهي تسأله الابتهال إلى الله أن ينقذ من الفساد والشدائد مَن يقيمون بإيمان تذكاره الدائم الوقار وأن يقصي عن المؤمنين الغمّ المفسد وأن ينير ويخلّص النفوس وأن يملأ الأفواه تسبيحاً وأن يمنح السلام للمسكونة ويستمدد لهم غفران الخطايا والرحمة العظمى. في إحدى الأناشيد نخاطبه على هذا النحو "بادر وتداركنا، نحن أفراخك، كالنسر المجنح بريش ذهبي، وأبسط جناحيك وتقبلنا متعهِّداً إيّانا على الدوام لأنه حسن أن نستريح تحت ظلِّك".

وقد يتساءل المرء بعد الذي ورد، في الخدمة الإلهية، عن القدّيس عمّا إذا كان يختلف، في هذه الطلبات التي ترفعها إليه الكنيسة عن غيره من القدّيسين. صحيح أن أكثر ما ورد عنه ينطبق على سواه أيضاً، لكن هذا لا يُضير ولا يُعثر. فطبيعة علاقة الكنيسة بقدّيسيها واحدة وطلباتها واحدة تُضاف إليها خصوصية هنا أو خصوصية هناك، باعتبار الفئة التي ينتمي إليها القدّيس (شهيد، أسقف، صانع عجائب...) وكذلك مزاياه الخاصة به. وهذا طبيعي طالما القدّيس شخص لا فكرة.




أخباره في التراث
ورد عند القدّيس سمعان المترجم (+960م) عن القدّيس جاورجيوس أنه وُلد في بلاد الكبّادوك من أبوَين مسيحيّين شريفين. بعد وفاة والده ارتحل هو وأمّه إلى فلسطين باعتبار أن أمّه كانت، في الأساس، من هناك وكانت لها أملاك وافرة. كان جاورجيوس قويّ البنية وتجنّد ثم ترقّى وصار ضابطاً كبيراً. وبفضل جرأته وسيرته الحميدة نال حظوة لدى الأمبراطور ذيوكلسيانوس وتبوّأ مراكز مرموقة. فلما حمل الأمبراطور على المسيحيّين طرح جاورجيوس عن نفسه علامات الرفعة واعترض لدى الأمبراطور. فكان أن ألقوه، للحال، في السجن. وبعدما استجوبوه حاولوا استمالته وفشلوا فعذّبوه تعذيباً شديداً. لا شيء زعزع إيمانه وتمسّكه بالمسيح. أخيراً استاقوه عبر المدينة وقطعوا رأسه.

ومن الروايات التي تنوقلت عن القدّيس جاورجيوس واشتهرت واعتُمدت موضوعاً لأعداد من إيقوناته رواية قتله التنين. هذه وردت، بين المسيحيّين، في صيغ شتّى. خلاصة الرواية أن ابنة الملك تهدّدها تنين فظهر له القدّيس جاورجيوس وقتله وخلّصها. وفيما تعيد إحدى الصيغ الرواية الحادثة إلى سيلين الليبية، على ضفّة البحيرة هناك، تعيدها صيغة أخرى عندنا، إلى بيروت، وإلى مصبّ نهر بيروت بالذات. ولعلّه من المفيد، في هذا المقام، أن نورد ما نقله أحد مؤرّخي القرن الخامس عشر الميلادي، المدعو صالح بن يحي.

هذا كتب في مؤلَّفه "تاريخ بيروت"، من النصف الأول من القرن الخامس عشر، عن النصارى فيها زعمهم أنه "خرج، في القدم، في بيروت، تنّين عظيم فقرّر أهل بيروت له، في كل عام، بنتاً يخرجونها إليه اكتفاء لشرّه فوقعت القرعة في سنة من السنين على صاحب بيروت. فأخرج بنته ليلاً إلى مكان موعد التنّين فتوسّلت بالدعاء إلى الله فتصوّر لها مار جرجس القدّيس. فلما جاء التنّين خرج عليه مار جرجس فقتله، فعمّر صاحب بيروت في ذلك المكان كنيسة بالقرب من النهر.

والنصارى تصوّر هذه الكائنة في سائر كنائس بلادهم، وقلَّ ما تخلو منها كنيسة. ويزعم النصارى أن مار جرجس من لدّ قتله ملك عبد الأصنام بحوران (راجع مطلع الحديث عن القديس) وله عيد مشهور عندهم في سائر البلاد. وأهل بيروت المسلمين والنصارى يخرجون في ذلك العيد إلى نهر بيروت ويُسمّى عيد النهر، وهو من البدع (وجاء في حاشية الكتاب: عيد النهر المذكور دائماً يكون ثالث وعشرين نيسان)".



هذا في شأن التنّين، أما موضوع التنّين في المسيحية وغير المسيحية فقديم وليس هو بقصر، بين القدّيسين، على القدّيس جاورجيوس. في أشعياء وإرمياء ذكر له. وذكره بارز في سفر الرؤيا. في رؤيا 20: 2 يُسمّى "التنّين الحيّة القديمة" ويُعَرَّف عنه بأنه إبليس والشيطان. والتنّين بعدما فشل في ابتلاع ولد المرأة التي وضعت ذَكراً "عتيداً أن يرعى جميع الأمم بعصا من حديد"، على حد تعبير سفر الرؤيا(12: 5)، أقول اضطهد التنّين المرأة، وغضب عليها "وذهب ليصنع حرباً مع باقي نسلها الذين يحفظون وصايا الله وعندهم شهادة يسوع المسيح (12: 17)".

القدّيس جاورجيوس هو أحد الذين حفظوا وصايا الله وكانت عندهم شهادة يسوع. فليس بغريب، لاسيما، في الأزمنة التي عانى المسيحيون خلالها الاضطهاد، عبر التاريخ، أن تروج عندهم صورة القدّيس جاورجيوس وسواه من القدّيسين المسمّين "العسكريين"، وهو يفتك بالتنّين إبليس. المسيحيون دائماً ما كانوا يدركون أن حربهم ليست مع لحم ودم بل، كما قال بولس الرسول، "مع أجناد الشرّ الروحيّة في السماويات" (أفسس6: 12).

 ومن القدّيسين الذين لهم إيقونات وهم يطعنون الحيّة أو التنّين عندنا القدّيس ثيودوروس التيروني. في الثمانينات من القرن العشرين كشفت الحفريات في تيراكوثا في مقدونية النقاب عن إيقونات تصوّر القدّيس ثيودروروس على حصان والتنّين بين رجليه وهو يقتله، والقدّيس جاورجيوس وخريستوفوروس، جنباً إلى جنب، وهما يطعنان بالرمح حيّة ذات رأس بشري. هذه تعود في رأي الدارسين إلى ما بين القرنين السادس والسابع الميلادي. إيقونات مشابهة لهذه وُجدت أيضاً في تونس.

أما أخبار عجائب القدّيس فعديدة عديدة نورد منها هذه العجيبة التي أشار إليها عدد من إيقونات القدّيس جاورجيوس. هذه استعرناها من سنكسار محلّي مخطوط من القرن التاسع عشر. فلقد ذكر إنه كان في جزيرة ميتيليني هيكل مجيد للقدّيس جاورجيوس كان الناس يتقاطرون إليه، كل سنة، في عيد القدّيس، ليعبدوا ويتبرّكوا. فسمع بذلك العرب المسلمون، الذين في جزيرة كريت، فأغاروا على المكان، عند المساء، وقت السهرانية. وقد تمكّنوا من أسر عدد من المؤمنين المجتمعين هناك. هؤلاء استاقوهم إلى كريت غنيمة. بين الأسرى كان شاب حَدَث.

هذا وهبه قائد المغيرين أمير الجزيرة فأقام عنده خادماً. فلما كان عيد القدّيس جاورجيوس، بعد حين، صنع والدا الشاب، في ميتيليني، كعادتهما في العيد. فلما انتهت الصلاة ألقت أمّ الشاب بنفسها على الأرض، في هيكل قدّيس الله، ورجته بدموع أن يعيد لها ابنها الأسير. وبعدما سكبت حسرة نفسها لديه عادت إلى بيتها وأصلحت مائدة العيد. فلما جلس الجميع إلى الطعام وهمّ الخدم بتقديم الخمر حدث أمر عجيب. فجأة ظهر الشاب الأمير وهو يقدّم كأس خمر لأمّه.

يا لهول المفاجأة! ماذا حدث؟! كيف تمّ له ذلك؟! بعدما هدأت المشاعر واستعاد الجميع شيئاً من روعهم علموا من الشاب أن القدّيس جاورجيوس جاء إليه وهو يقدّم الخمر لمخدومه الأمير، فأخذه وأركبه وراءه على حصانه، على الحال التي كان فيها، حاملاً الإبريق والكأس. وإذا به فجأة، بنعمة الله، في دار ذويه. هذه اللمحة عن الشاب راكباً وراء القدّيس جاورجيوس تبدو في العديد من الإيقونات التي تصوّره راكباً على حصانه.


رفات القدّيس
ثمّة دراسات تبين أن رفات القدّيس جاورجيوس تتوزّع، في الوقت الحاضر، على أديرة وكنائس في أماكن شتّى في الشرق والغرب. في الغرب، قيل أن هامة القدّيس، أو بالأكثر جزءاً منها، جعلها البابا زخريا الرومي، في القرن الثامن الميلادي، في كنيسة القدّيس جاورجيوس فيلابرو، في رومية. أما الأماكن الأخرى التي قيل إن فيها أجزاء مختلفة من رفاته فهي اليونان وفلسطين وقبرص وكريت ومصر والعراق وكوريا وسواها. أكثر الموجود، فيما يبدو، في اليونان والجزر. حتى بعض دمه محتفظ به في دير ديونيسيو ودير زوغرافو في جبل آثوس. وقد قيل إن عظم كتفه قاعد في دير القدّيس جاورجيوس في ليماسول.

إيقوناته
إيقونات القدّيس جاورجيوس متنوّعة. فبالإضافة إلى ما ذكرناه أعلاه بشأن حفريات مقدونيا، هناك إيقونة جيورجية من القرن الحادي عشر تصوّره يقتل رجلاً متوّجاً، ربما يشير إلى الأمبراطور ذيوكلسيانوس أو سواه. ومن أنماط الإيقونات التي نجدها له منذ القرن الثاني عشر، إيقونات تصوّره في لباسه العسكري، إما بقامته الكاملة وإما نصفياً وأخرى تصوّره على الجواد وهو يقتل التنّين. وقد تُضاف إليه في هذه الوضعية مجموعة من الإيقونات التفصيلية من حول الإيقونة الأساس تصوّر عذاباته. 

وقد يصوِّرونه واقفاً يصلّي بقامته كاملة أو بمعيّة قدّيسين أو قدّيسات آخرين كالقدّيس ديمتريوس أو مركوروس أو بروكوبيوس أو ثيودوروس أو براسكيفي أو سواهم. وقد يجعلونه واقفاً دائساً التنّين وهو يقتله، أو يجعلونه واقفاً يصلّي ومن حوله إيقونات تفصيلية لعذاباته واستشهاده. أقدم الموجود جيورجي وبيزنطي وروسي. ورسمه مصكوك أيضاً على قطع نقدية معدنية وميداليات. من أقدم الموجود ما لنا عنه من القرن الثاني عشر، زمن الأمبراطور مانويل الأول (1143- 1180م).

هذه تصوّره نصفياً في لباس عسكري. وهناك من القرن عينه ميدالية تصوّره مع الأمبراطور يوحنا كومنينوس (1118- 1143) يمسكان، كل من ناحيته، الصليب المكرّم. وهناك صلبان برونزية من القرن التاسع للميلاد تجعله في أعلاها وهو رافع يديه يصلّي. وثمّة علب صغيرة لحفظ رفات القدّيس، منذ الثالث عشر، عليها رسمه جندياً. بركته تشملنا أجمعين.

تعيد الكنيسة له في 23 نيسان (غربي), الواقع في 6 أيار على الحساب الشرقي.

فبشفاعة القديس العظيم في الشهداء جاورجيوس اللابس الظفر, أيها الرب يسوع المسيح, إلهنا, ارحمنا وخلّصنا, آمين.
 
مع محبتي للجميع بالمسيح ربنا آمين
كل عام و الجميع بألف خير
سامر يوسف الياس مصلح
بيت ساحور - 06-05-2014

ليست هناك تعليقات: