أرشيف المدونة الإلكترونية

السبت، 19 أبريل 2014

عيد الفصح المجيد



المعنى الحقيقي لعيد الفصح و تقاليده

لهذا العيد أسماء كثيرة أشهرها الفصح و العيد الكبير و عيدالقيامة و عيد النصر و عيد المصالحة كلمة الفصح هي تعريب كلمة “بسحا: = פסחא ” العبرية من الفعل “بَسَح” الذي يعني: اجتاز وعبر أو قفز عن الشيء دون أن يلمسه. في المسيحية تعني هذه الكلمة عبور وانتقال السيد المسيح عليه السلام من الموت إلى الحياة- القيامة.



القيامة هي أساس العقيدة لدى المسيحيين و هو أمجد أعياد المسيحيين لأنه يذكرنا بقيامة المسيح من الموت , و يذكرنا بأنه علينا التمثل به فهو مثال المحبة و التضحية و العطاء فقد صلب عنا و مات على الصليب و قام من الموت , و من خلال آلامه و عذاباته التي لا تقاس و لا تقارن بما نعانيه بالوقت الحاضر من آلام و عذاب و تهميش ,و ماعلينا أدراكه هو مهما كبرت وعظمت آلامنا وعذاباتنا فهي أشبه بحبة ملح في محيطات اّلآم المسيح ,و بقيامته المجيدة ندرك معنى العطاء الفعلي الذي لاحدود له و لا ثمن فالعطاء هو المحبة و التضحية من أجل الآخرين فليس بالمال وحده يحيا الأنسان

تبدأ الطقوس يوم الخميس الذي يسبق يوم الفصح والذي يسمى يوم خميس الأسرار أو يوم خميس غسل الأرجل والذي فيه غسل السيد المسيح عليه السلام أرجل تلاميذه العمل الذي يرمز إلى التواضع (يوحنا 13: 2- 20). في هذا اليوم أيضًا تحل ذكرى الوجبة الأخيرة التي أكلها السيد يسوع المسيح عليه السلام مع تلاميذه قبل صلبه.


يشير يوم الجمعة العظيمة الذي يلي خميس الأسرار إلى صلب السيد المسيح عليه السلام ، الجمعة العظيمة هي ما جمع بيد الرب في هذا اليوم من إيمان و تضحية , و تفاني , و بذل الذات من أجل الآخرين . فكما المسيح علمنا الأيمان بالرب و المعنى الحقيقي للتضحية بالذات ,و مات على الصليب لكي يعطينا الحياة الأبدية علينا جمعياً أخذ العبر و تطبيقها في حياتنا اليومية و بأن الرب لا يتركنا فهو دائماً معنا فلا نقول:


يا رب أنا عندي مشكلة , بل يا مشكلة أنا عندي ربُ كبير



يوم السبت الذي يلي يوم الجمعة العظيمة هو سبت النور، في هذا السبت في ساعات المساء المتأخرة تبدأ احتفالات الفصح – احتفالات انتصار السيد المسيح عليه السلام على الموت. يستمر العيد ثلاثة أيام وفيه مأكولات خاصّة:

البيض المسلوق الملوّن- وهو يرمز إلى القيامة
الكعك على شكل التاج – والذي يرمز إلى تاج الشوك الذي وضع على رأس السيد المسيح
المعمول - وهو يرمز إلى الإسفنجة التي أسقوا بواسطتها السيد المسيح عليه السلام وهو على الصليب.

(وهناك من يقولون بأنه يرمز إلى الصخرة التي وضع عليها الصليب.)

الكعك على شكل التاج – والذي يرمز إلى تاج الشوك الذي وضع على رأس السيد المسيح.

البيض المسلوق“, يعرف عيد الفصح في التراث الشعبي بـ” عيد فقاس البيض” - كلمة “فقاس” معناها التفقيس أي خروج الصوص من البيضة.
البيض (بيض الدجاج المعروف والذي يشتهر به العيد)

من هنا هذا العيد في التراث والتقاليد الشعبية هو عيد خروج الصيصان من البيض.ترمز البيضة إلى القبر (هناك من يرى وجود شبه بين قبر السيد المسيح عليه السلام والبيضة التي تكون جمادا بلا حياة ويخرج منها الفرخ.) وتكسير البيضة يرمز إلى قيامة السيد المسيح عليه السلام من القبر.


في هذا العيد من المألوف صبغ البيض بواسطة أزهار الصفير، أو أوراق البصل اليابس، ولكن إبداع الإنسان أوصله إلى طرق أخرى مثل طبع الأزهار، واستعمال الأصباغ الصناعية غير السامة، وهناك من يقومون بالرسم عليه أو الحفر عليه بواسطة آلات دقيقة، وكل ذلك رمز إلى البهجة بقيامة السيد المسيح عليه السلام. في كثير من البلدان تقام مباريات (بالذات بين الأولاد) في فقس البيض: ينقر الواحد ببيضته المسلوقة على بيضة زميله وصاحب البيضة التي تكسر البيضة الثانية يربح البيضة المكسورة.


و لعل بحلول هذا اليوم ندرك أن شهادتنا المسيحية لا تكتمل ونحن بفرقة و انقسام بل علينا السعي الى شفاء الجراح و التلاقي و التضامن لكي نتمكن من المصالحة مع الماضي ومع التاريخ ومع الآخر الذي هو أخ لنا بالرب يسوع.

معنى عيد الفصح
السؤال لا أقصد به المعنى العقائدي ولا أقصد به الذكرى التاريخية، بل أقصد الانعكاس المباشر على كل منا، لماذا أعيد عيد الفصح هذه السنة، ومالذي من الممكن أن يحدث أو يتغير في حياتي في هذا العيد؟

لنبدأ من طريقة ترتيب أعياد الكنيسة المختلفة فلربما يساعدنا هذا على فهم بعض الأمور.

من المعروف أن السنة الكنسية تبدأ في بداية شهر أيلول، وبذلك يكون أول عيد كبير في السنة الكنسية هو عيد الصليب الذي يأتي في 14 أيلول، أي قبل بدء الخريف بأسبوع، فصل الخريف هو فصل الضعف والمرض، الجو المحيط هو جو كئيب وصعب، ويبدو لذلك أنه من المناسب ورود عيد الصليب فيه حتى نشعر بمشاركة الرب لنا وتشديده لنا في آلامنا.
عيد الصليب إذاً هو عيد الألم، مثل ألم مخاض المرأة الحامل قبل الولادة.

بعد ذلك تأتي سلسلة من أعياد كبار قديسي الكنيسة ومعلميها، ولربما وضعت هنا لتكون تهيئة لاستقبال عيد الميلاد، كلمات معلمي الكنيسة وآبائها شيء بسيط من الكلمة الحقيقية نفسها التي ستتجسد لنا، وفي عمق البرد والظلمة يأتينا الرب مولوداً طفلاً بشرياً وذلك في وقت قريب من أقصر نهار في السنة الذي هو 21 كانون الأول، وبعده بفترة قصيرة يأتي عيد معمودية الرب.
فعندما يكون الإنسان في قمة ضعفه وألمه يأتيه الرب مولوداً جديداً، وبذلك كل مؤمن يولد بدوره من جديد في الرب، ويصير لديه القدرة على أن ينمو في الرب، أو بالحري أن ينمو الرب فيه.

الولادة طبعاً لا تعني أن الشخص وصل لمرحلة النضج، فهناك طريق طويل بعد من الخبرة الحياتية يجب على كل واحد أن يمر فيها حتى ينمو وينضج بشكل صحيح. بعد هذا يأتينا الصوم المقدس، إنه زمن الجهاد والتعب، ومع بداية الربيع يأتي العيد الكبير، عيد الفصح، الذي يدعى بحق عيد الأعياد وموسم المواسم.

في الربيع كل الدنيا تصير جميلة، يبدأ اليوم بالتحول فيصير النهار أطول من الليل، إنه البدء والانطلاق، وبالنسبة للمؤمن هذا العيد يعني أنه قد نضج روحياً، وأنه مستعد للانطلاق في العمل الروحي.

هل عيد الفصح هو نهاية؟ لا بل هو بداية، والفترة الفصحية التي هي أربعون يوماً ذكرى للأربعين يوماً التي قضاها الرب بعد قيامته على الأض وهو يعلم تلاميذه الأمور التي ما كان يمكن أن يفهموها قبلاً، عيد الفصح هو بمثابة شهادة التخرج للطالب ولكن بعد ذلك لا بد من فترة تدريبية قبل دخوله ميدان العمل.



بعد عيد الفصح نبدأ في الكنيسة بقراءة أعمال الرسل في الكنيسة، بعد قيامة الرب لم يعتبر التلاميذ أن كل شيء قد تم بمعنى أنه صار بإمكانهم الآن الاستراحة والانصراف إلى التمتع بملذات الحياة، بل اعتبروا القيامة موعداً للانطلاق إلى البشارة والعمل.

الفصح إذاً مثل التخرج من الجامعة، ولكن التخرج لا يعني النهاية بل بداية الدخول في حياة العمل، هو زواج النفس مع خالقها، ولكن الزواج ليس النهاية بل بداية حياة مشتركة، فيها تعب وألم ولكن فيها فرح مع ذلك.

بعد ذلك يبدأ صوم الرسل وينتهي في عيد القديسين بطرس وبولس في 29 حزيران، وهو موعد قريب من أطول يوم في السنة 21 حزيران. في هذا العيد نقرأ إقامة بطرس لطابيثة، والذي يعرف كتاب أعمال ارسل يعرف أن القسم الأول يتحدث عن بطرس وينتهي بإقامة بطرس لطابيثة من الموت، ومن تم القسم الثاني يتحدث عن بولس وينتهي بإقامة بولس لأفتيشيوس من الموت ومن ثم يأتي القسم الثالث وهو رحلة بولس إلى روما.

إن إقامة بطرس وبولس للأموات يدل على أن الرسل وصلوا إلى مرحلة مماثلة الرب في عظم أعماله، والرحلة إلى روما تعني أيضاً وصول البشارة إلى العالم أجمع التي تمثل روما عاصمته في وقت كتابة أعمال الرسل.

إذاً إن عيد الرسل هو عيد إنهاء المؤمن لعمله وتتميمه بنجاح، ماذا يأتي بعد ذلك؟ إنه تجلي الرب للمؤمن ولذلك نعيد لعيد تجلي الرب في 6 آب، وهو الوقت الذي يكون فيه حر السنة في أقصى درجاته، وبعد هذا بأيام قليلة جداً يأتينا عيد انتقال والدة العذراء، العذراء التي بلغت أقسى درجات القداسة التي يمكن لإنسان بلوغها، وهي لا تقل شيئاً عن كامل قداسة الرب التي يمنحها الرب لكل لمحبيه.

إذاً لقد عشنا الآلام قبلاً، ومن ثم ولد المسيح فينا وصرنا ننمو ونتعلم حتى بلغنا التخرج أو الزواج وبعد ذلك انطلقنا في العمل الروحي وأتمنناه في عيد الرسل ومن ثم ظهر الرب لنا وبلغنا عيد السيدة الذي هو عيد القداسة، أقصى القداسة.فعيد الفصح إذاً ليس نهاية بل هو بداية، ولكنها بداية سعيدة لحياة فيها تعب وجهد ومع ذلك مليئة بالفرح، فرح الرب.


فصح مجيد ---- المسيح قام حقاً قام
ينعاد عليكم بالفرح والسلام ويحفظكم الرب انتم وعائلاتكم.

مع محبيتي لكم بالمسيح ربنا
سامر يوسف الياس مصلح
بيت ساحور - 20-04-2014

ليست هناك تعليقات: