أرشيف المدونة الإلكترونية

الأحد، 14 أكتوبر 2012

الاحد الثاني من لوقا


الاحد الثاني من لوقا 


يفتخر الأبرار بالمجد 
رنموا للرب ترنيمة جديدة 

فصل من رسالة القديس بولس الرسول الى اهل غلاطية 


يا إخوة’ إن ثمر الروح هو المحبة والفرح والسلام وطول الأناة واللطف والصلاح ، والايمان والعفاف وهذه ليس ناموس ضدها ، والذين للمسيح صلبوا أجسادهم مع الآلام والشهوات ، فان كنا نعيش بالروح فلنسلك بالروح أيضاً، ولا نكن ذوي عجب ولا نغاضب ولا نحسد بعضنا بعضاً ، يا إخوة اذا اخذ أحدٌ في زلة فاصلحوا انتم الروحين مثل هذا بروح الوداعة . وتبصر أنت لئلا تجرب أنت أيضا ، احملوا بعضكم أثقال بعض وهكذا أتمو ناموس المسيح
 
 
إنجيل الأحد الثاني من لوقا 

فصل شريف من بشارة القديس لوقا البشير

قال الربُّ كما تريدون أن يفعلَ الناس بكم كذلك افعلوا أنتم بهم، فإنكم إن أحببتم الذين يحبونكم فأية مِنَّةٍ لكم. فإن الخطأَة أيضاً يحبون الذين يحبونهم. وإذا أحسنتم إلى الذين يحسنون إليكم فأي مِنَّةٍ لكم. فإن الخطأَة أيضاً هكذا يصنعون. وإن أقرضتم الذين ترجون أن تستوفوا منهم فأي مِنَّةٍ لكم. فإن الخطأَة أيضاً يقرضون الخطأَة لكي يستوافوا منهم المثل، ولكن أحبُّوا أعداءَكم وأحسنوا وأقرضوا غير مؤملين شيئاً، فيكون أجركم عظيماً وتكونوا بَنِي العليّ. فإنه مُنعِم على غير الشاكرين والأشرار، فكونوا رُحماء كما أن أباكم أيضاً رَحيم
 

إذ أراد أن يرفعنا كصديقٍ لنا لننعم بالتطويبات ونحذر اللعنات، فإنَّه يدخل بنا إلى سِمته "الحب الفائق"، فتكون المحبَّة فيض داخلي متفجِّر في أعماقنا، نُحب حتى الأعداء، نحب بالعمل لا بالكلام، لذلك جاءت وصاياه هكذا: 

يطالبنا بفيض حب ينبع في الداخل دون انتظار مقابل، إذ يقول: "أحبُّوا أعداءكم"، فنرد العداوة بالحب. هذا الحب يترجم إلى عمل محبَّة ورحمة: "اَحسنوا إلى مبغضيكم"، ويقوم خلال الحياة المقدَّسة والمباركة التي تبارك الآخرين ولا تلعن أحدًا: "باركوا لاعينكم"، ويمتزج بالعبادة فنشتهي خلاص المسيئين إلينا وشركتهم معنا في المجد بالصلاة عنهم لتوبتهم. بمعنى آخر، جاءت وصيّة الحب مرتبطة بكل كياننا في الرب، عميقة في النفس، مترجمة إلى سلوك وعمل، ممتزجة بالحياة المقدَّسة، ومُرتبطة بعبادتنا! 

 "أحبُّوا أعداءكم". يقول بولس الحكيم وهو صادق فيما يكتب: "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة" (2 كو 5: 17)، لأن كل الأمور تجدَّدت في المسيح وبالمسيح. انظروا كيف تجدَّد نظام حياة أولئك الرسل الذين عُهد إليهم نشر كلمة الخلاص للعالم أجمع. انظروا كيف يأمرهم السيِّد بمقابلة سيِّئات أعدائهم لهم وكانت مؤامرات مضطهديهم محبوكة الأطراف ودسائسهم لا تعرف رحمة ولا شفقة.

طُلب إلى الرسل ألا ينتقموا لشرّ أحبَّائهم حتى لا يُعطِّلوا نشر الكلمة. نصحهم أن يضبطوا أذهانهم بالصبر والهدوء، فلا يخرجوا عن حلمهم وأناتِهم، محتمِّلين بسرور كل ضررٍ يلحق بهم وكل أذى يصيبهم، متَّخذين يسوع المسيح مَثَلهم الأعلى في الصبر والصفح، فقد هزأ به اليهود كبار وصغار، وبالرغم من سخريَّتهم صلَّى إلى الله الآب قائلاً: "اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون" (23: 34).

وقد جثا إسطفانوس المغبوط أمام الله والحجارة تتساقط حوله طالبًا إلى المولي القدير أن يغفر آثام راجميه، وصرخ بصوت عظيم: "يا رب لا تُقم لهم هذه الخطيّة" (أع 7: 60). ويقول الحكيم بولس في هذا الصدد "نُشتَم فنبارِك، نُضطهد فنحتمل" (ا كو 4: 12).

كان تحذير المسيح إذن ضروريًا للرسل المقدَّسين ومفيدًا لنا نحن المؤمنين، حتى نعيش باستقامة ونزاهة، فإنَّ في هذا التحذير معنى فلسفيًا عميقًا، ففينا من الميول النفسانيّة الثائرة ما يجعل الطريق وعرًا للسير لتحذير المسيح لنا، إلا أن المسيح سبق وأفهمنا ضرورة محاربة ميولنا الفاسدة، وفصل بين العاملين برغبة والعاصين كلمته، إذ قال: "لكني أقول لكم أيها السامعون" (6: 27). ويضيف بطرس الرسول ثبات المسيح وعظيم صبره وطول أناته بالقول: "الذي إذ شُتم لم يكن يَشتم عوضًا، وإذ تألّم لم يكن يهدِّد، بل كان يُسلم لمن يقضي بالعدل" (1 بط 2: 23).

ولكن قد يعترض أحدكم قائلاً: "كان المسيح إلهًا أما أنا فإنَّسان ضعيف، ولي ذهن غير سليم ولي من الميول النفسيّة ما يقف في سبيل إخماد روح الطمع والتغلُّب، أيها الإنسان اعلم أن الله لم يجرِّدك من روح رأفته ومحبَّته، فهو بجوارِك لا بل في داخلك، هو فيك بالروح القدس، لأننا نحن مسكنه وهو يسكن في نفوس محبِّيه ومريديه، هو الذي يعضِّدك بيمينه، فلا تتزعزع ويمسك بك فلا تسقط. إذن "لا يغلبنَّك الشرّ، بل اغلب الشرَ بالخير" (رو 12: 21). 

 لقد منعنا أن نحب الرذيلة التي فيه (في العدو)، وأن نرتبط بمحبَّة طبيعيّة معه.

 إن أمكنك لا تجعل لك عدوًا. وإن وُجد من يبغضك لا تحزن بهذا، لأنك لست وحدك من أبغضوه بل سيِّدك قبلك قد أبغضوه...يمكنك أن تنتفع من عدوَّك كمثل من صاحبك، جاعلاً من عدوَّك كمن هو نافع لك، لأنه بسببه يتفاضل حبَّك عند الله، وبتألّمك عليه يُكثر نفعك، لأن وصيّة سيِّدنا تكمل بذلك فيه. فإنَّ كان عدوَّك قد آذاك ولم تقدر أن تنتفع منه، فاعرف ضعفك، وأبحث من أي شيء لم تقدر أن تنتفع، لأنه بماذا يُعرف صِدقك مع سيِّدك إذا لم يكن لك شيء يخالف راحتك، فتبقى كإنسان بلا جهاد.

 أذكر الحمل الوديع وكم صبر، فبالرغم من أنه لم يكن له خطيّة، لكنه احتمل الشتم والضرب وسائر الأوجاع حتى الموت.

توجد وسيلة لرد الشرّ بالشرّ ليس فقط خلال الأعمال، وإنما أيضًا بالكلمات وبالاتِّجاه (النيّة الداخليّة)... فإنَّه في بعض الأوقات يسبب الإنسان اضطرابًا لأخيه خلال اتِّجاهه (الداخلي)، أو حركاته، أو نظراته، عن عمد ليرُدّ الشرّ بالشرّ.

تعلِن هذه الوصايا عن ترجمة طاقات الحب عمليًا، فإن أُصيب الإنسان في كرامته الزمنيّة (الضرب على الخد)، أو في ممتلكاته الخاصة كالرداء، يكون لديه الاستعداد لاحتمال أكثر فأكثر من أجل كسب أخيه الذي يعاديه. هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإنَّه إذ يحمل سِمة سيِّده يكون محبًا للعطاء أكثر من الأخذ، من يسأله يعطيه، ومن يقترض منه لا يطالبه برد الدين. كأن غاية هذه الوصايا أمران: كسب الغير وممارسة العطاء، هذا ما أكَّده الآباء في تعليقاتهم: 

يليق بالإنسان البار التقي أن يكون مستعدًا لاحتمال الضرر بصبر من الذين يريدهم أن يصيروا صالحين، حتى يتزايد عدد الصالحين عوض أن يُضاف هو نفسه إلى عدد الأشرار، بكونه يثأر لنفسه عمَّا يصيبه من ضرر.

يليق بنا ألا نصارع الآخرين، ولا أن نشتهي الامتثال بالأشرار، إذ يحُثُّنا أن نقود الناس بالصبر واللطف من العار ومحبَّة الشر.
 كل من سألك فأعطه، فإنَّك ستعرف من هو المجازي الصالح عن المكافأة.
 بالحق بهجة الله هي في العطاء! 

القدِّيس إكليمنضس الإسكندري

علي أي الأحوال فإنَّ جوهر هذه الوصايا هو الحب الذي به، ليس فقط يتجاهل الخد المضروب، بل في اتِّساع قلبه مستعد أن يقدِّم الآخر ليكسب أخاه لحساب الملكوت الأبدي، ولا يتنازل عن الرداء فحسب، وإنما أيضًا بإرادته يترك ثوبه، محب للعطاء ولا يطالب بردّ الدين حتى لا يسقط أخوه في حرجٍ! وكما يقول القدِّيس أغسطينوس: [إن ربّنا يمنع أتباعه من الالتجاء إلى القانون في الأمور الزمنيّة ضد الغير.]

هذه هي المحبَّة العمليّة التي بها ينطلق الإنسان من "الأنا"، فيحب أخاه كنفسه، يشتهي له ما يشتهيه لنفسه، ويقدِّم له ما يترجّى هو من الآخرين أن يُقدِّموه له.

يعلّق القدِّيس كيرلس الكبير على هذه العبارة، قائلاً: [كان من المرجَّح أن يظن الرسل المقدََّسون أنه ليس في مقدورهم إخراج هذه الوصايا من حيز الفكر إلى حيز العمل. وقد علم المسيح أفكارهم فاعتمد على غريزة محبَّة النفس حكمًا بين الناس بعضهم ببعض، فأمر كل واحد أن يعمل للآخرين ما يريد منهم أن يعملوه له. فإذا كنا نحب الآخرين أن يعاملونا بالرحمة والشفقة، كان لزامًا علينا إذن أن نعاملهم بالمثل. وقد سبق وتنبَّأ إرميا عن قيام ساعة لا يحتاج فيها المؤمنون إلى أوامر مكتوبة، لأن هذه التعاليم منقوشة على القلوب. إذ ورد: "أجعل شريعتي في داخلهم وأكتبها على قلوبهم" (إر 31: 33).]

إنه يطالبنا خلال الحب الناضج لا أن نرد معاملة إخوتنا بالمثل. وإنما أن نقدَّم لهم ما نشتهيه لأنفسنا، بغض النظر عمَّا يفعلونه معنا. إننا نحب من أجل الله، أي الحب ذاته، بكون الحب قد صار طبيعتنا. فنقدِّم الحب بلا مقابل من جهة الغير، إذ يقول: 

كأنه يقول لهم: لا تستصعبوا وصاياي، فإنَّني أقدِّم لكم ما يليق بكم كأبناء للملكوت، فأطالبكم بحياة فاضلة فائقة للطبع البشري، لأني عامل معكم وفيكم. لهذا يكمل حديثه: "فيكون أجركم عظيمًا وتكونوا بنيّ العليّ" [35]. فالعالم حين يُحب يطلب الأجرة على الأقل مماثلة، أمَّا أنتم فأجرتكم العظيمة هي بنوَّتكم لله العليّ، التي تُلزمكم الإقتداء بأبيكم السماوي. بنفس الفكر يقول السيِّد المسيح: "فكونوا رحماء كما أن أباكم أيضًا رحيم" [36].

 ليس شيء يجعلنا مساوين لله سِوى فعل الصلاح (الرحمة).
المسيح هو المعلِّم وأيضًا أبوه.
لنأتِ بأنفسنا وأولادنا وكل من لنا إلى مدرسة الرحمة، وليتعلَّمها الإنسان فوق كل شيء، فالرحمة هي الإنسان... لنحسب أنفسنا كمن هم ليسوا أحياء إن كنا لا نظهر الرحمة بعد!

 هذا هو عمل الله... لقد خلق الله السماوات والأرض والبحر. عظيمة هي هذه الأعمال ولائقة بحكمته! لكن ليس شيء من هذه لها سلطان تجتذب الطبيعة البشريّة إليه، مثل رحمته وحبُّه للبشر!

المحبَّة (الرحمة) كما لو كانت أسمى أنواع الصناعة، وحامية لمن يمارسها. إنها عزيزة عند الله، تقف دائمًا بجواره تسأله من أجل الذين يريدونها، إن مارسناها بطريقة غير خاطئة!...إنها تشفع حتى في الذين يبغضون، عظيم هو سلطانها حتى بالنسبة للذين يُخطئون!

إنها تحل القيود، وتبدِّد الظلمة وتُطفئ النار، وتقتل الدود، وتنزع صرير الأسنان.
تنفتح أمامها أبواب السماوات بضمانٍ عظيمٍ، وكملكة تدخل ولا يجسر أحد الحُجَّاب عند الأبواب أن يسألها من هي، بل الكل يستقبلها في الحال. 
هكذا أيضًا حال الرحمة، فإنَّها بالحق هي ملكة حقيقيّة، تجعل البشر كالله. أنها مجنحة وخفيفة لها أجنحة ذهبيّة تطير بها تبهج الملائكة جدًا.
القدِّيس يوحنا الذهبي الفم
إن كانت الرحمة تدفعنا للتشبُّه بالله الرحيم نفسه؛ فإنَّنا إذ نطلب رحمة يلزمنا أن نرحم اِخوتنا ولا ندينهم: "ولا تدينوا فلا تدانوا، لا تقضوا على أحد، فلا يُقضى عليكم" [37].
اهتم الآباء - خاصة آباء البريّة - بالتدقيق في عدم الإدانة، فحسبوا أنه ليس شيء يغضب الله مثلها، إذ تنزع نعمته عمَّن يرتكبها ويرفع رحمته عنه حتى إذا ما ترفَّق بأخيه ينال هو النعمة الإلهيّة ومراحم الله.

يرى الأب بومين والأب موسى أن من يدين أخاه ينشغل بخطايا الغير لا بخطاياه، فيكون كمن يبكي على ميِّت الآخرين ويترك ميِّته. يقول الأب دوروثيؤس: [إننا نفقد القوَّة على إصلاح أنفسنا متطلِّعين على الدوام نحو أخينا]، [ليس شيء يُغضب الله أو يعرِّي الإنسان أو يدفعه لهلاكه مثل اغتيابه أخيه أو إدانته أو احتقاره... أنه لأمر خطير أن تحكم على إنسان من أجل خطيّة واحدة ارتكبها، لذلك يقول المسيح: "يا مرائي أخرج أولاً الخشبة من عينك، وحينئذ تُبصر جيِّدًا أن تُخرج القذَى الذي في عين أخيك".

 أنظر فإنَّه يشبِّه خطيَّة الأخ بالقذَى أما حُكمك المتهوِّر فيحسبه خشبَة. تقريبًا أصعب خطيَّة يمكن معالجتها هي إدانة أخينا!... لماذا بالحري لا ندين أنفسنا ونحكم على شرِّنا الذي نعرفه تمامًا وبدقة والذي نعطي عنه حسابًا أمام الله! لماذا نغتصب حق الله في الإدانة؟! الله وحده يدين، له أن يبرِّر وله أن يدين. هو يعرف حال كل واحد منَّا وإمكانيَّاتنا وانحرافاتنا ومواهبنا وأحوالنا واستعداداتنا. فله وحده أن يدين حسب معرفته الفريدة.

أنه يدين أعمال الأسقف بطريقة، وأعمال الرئيس بطريقة أخرى. يحكم على أب دير، أو تلميذ له بطريقة مغايرة، الشخص القديم (له خبراته ومعرفته) غير طالب الرهبنة، المريض غير ذي الصحَّة السليمة. ومن يقدر أن يفهم كل هذه الأحكام سوى خالق كل شيء ومكوِّن الكل والعارف بكل الأمور؟] يكمل الأب دوروثيوس حديثه عن عدم الإدانة بعرض قصَّة يتذكَّرها عن سفينة كانت تحمل عبيدًا، إذ تقدَّمت عذراء قدِّيسة إلى صاحب السفينة واِشترت فتاة صغيرة حملتها معها إلى حجرتها لتدرِّبها على الحياة التقويّة كابنة صغيرة لها، ولم يمضِ إلا قليلاً حتى جاءت فرقة للرقص، 

اشترت أخت هذه الفتاة الصغيرة لتدرِّبها على أعمال اللهْو والمُجون والحياة الفاسدة... هنا يقف الأب دوروثيؤس مندهشًا، أن الفتاتين قد اُغْتصِبتا من والديهما، إحداهما تتمتَّع بمخافة الله تحت قيادة قدِّيسة محبَّة وأخرى بغير إرادتها اُغْتُصبت لممارسة الحياة الفاسدة. لهذا يتساءل: أليس لله وحده أن يدين الفتاتين بطريقة يصعب علينا إدراكها؟! فنحن نتسرَّع في الحكم، أما الله فعالم بالأسرار طويل الأناة، وحده قادر أن يبرِّر أو يدين.

يعلّق القدِّيس كيرلس الكبير على كلمات السيِّد عن عدم الإدانة، قائلاً: 

[بينما يطلب منَّا التعمق في فحص أنفسنا حتى ينطبق سلوكنا على أوامر الله وتعاليمه نجد البعض يشغلون أنفسهم بالتدخُّل في شئون الآخرين وأعمالهم، فإذا وقفوا على خطأ في أخلاق الغير عمدوا إلى نهش أعراضهم بألسنة حدَّاد، ولم يدروا أنهم بذم الآخرين يذمون أنفسهم، لأن بهم مساوئ ليست دون مساوئ الغير في المذلَّة والمهانة. لذلك يقول الحكيم بولس: "لذلك أنت بلا عذر أيها الإنسان كل من يدين، لأنك فيما تدين غيرك تحكم على نفسك، لأنك أنت الذي تدين تفعل تلك الأمور بعينها" (رو 2: 1). 

فمن الواجب علينا والحالة هذه أن نشفق على الضعيف، ذاك الذي وقع أسيرًا لشهواته الباطلة وضاقت به السُبل، فلا يمكنه التخلُّص من حبائل الشرّ والخطيّة. فلنصلِ عن مثل هؤلاء البائسين القانطين، ولنَمِدْ لهم يدْ العون والمساعدة، ولنَسعَ في ألاَّ نسقط كما سقطوا. فإنَّ "الذي يذم أخاه، ويدين أخاه، يذم الناموس ويدين الناموس" (يع 4: 11). وما ذلك إلا لأن واضع الناموس والقاضي بالناموس هو واحد، ولما كان المفروض أن قاضي النفس الشريرة يكون أرفع من هذه النفس بكثير، ولما كنا لا نستطيع أن ننتحل لأنفسنا صفة القضاة بسبب خطايانا وجب علينا أن نتنحَّى عن القيام بهذه الوظيفة، لأنه كيف ونحن خطاة نحكم على الآخرين وندينهم؟! إذن يجب ألا يدين أحد أخاه، فإن حدَّثتْك نفسك بمحاكمة الآخرين، فأعلم أن الناموس لم يُقِمك قاضيًا ومُحاكمًا، ولذلك فانتحالك هذه الوظيفة يوقِعك تحت طائلة الناموس، لأنك تنتهك حُرمته.

فكل من طاب ذهنه لا يتصيَّد معاصي الغير، ولا يشغل ذهنه بزلاَّتهم وعثراتهم، بل عليه فقط أن يتعمَّق في الوقوف على نقائصه وعيوبه. هذا كان حال المرنِّم المغبوط وهو يصف نفسه بالقول الحكيم: "إن كنت تُراقب الآثام يارب يا سيِّد، فمن يقف" (مز 130: 3)، وفي موضع آخر يكشف المرنِّم عن ضعف الإنسان ويتلمَّس له الصفح والمغفرة إذ ورد قوله: "أذكر أننا تراب نحن" - مز 103: 14

مع محبتي للجميع بالمسيح ربنا آمين
كل عام و الجميع بألف خير
سامر يوسف الياس مصلح
بيت ساحور - 14-10-2012

ليست هناك تعليقات: