أرشيف المدونة الإلكترونية

السبت، 20 أكتوبر 2012

الأحد الثالث بعد الصليب



الرسالة: 2كو6:9-11
يا إِخوةُ إِنَّ مَن يزرَعُ شَحِيحاً فَشَحيحاً أيضاً يحصُدُ ومَن يَزرَعُ بِالبَرَكاتِ فبالبَرَكاتِ أَيضاً يحصُد. كلُّ واحِدٍ كما نَوى في قلبِهِ لا عَن ابتِئَاسٍ أو اضطِرارٍ. فإنَّ الله يُحبُّ المُعطي المتهلِّل. واللهُ قَادِرٌ أن يَزيدَكم كُلَّ نِعمةٍ حتَّى تكونَ لكم كُلُّ كِفايةٍ كُلَّ حينٍ في كُلِّ شَيءٍ فتَزدادوا في كُلِّ عَمَلٍ صالح. كما كُتبَ إِنَّهُ بَدَّدَ أَعطى المساكينَ فَبِرُّهُ يدومُ إلى الأبد. والذي يَرزُقُ الزارِعُ زرعاً وخُبزاً للقوتِ يَرزُقُكم زرعَكم ويكثِّرُهُ ويَزِيدُ غِلالَ بِرِّكم. فتَستَغنُونَ في كُلِّ شَيءٍ لكُلِّ سَخَاءٍ خالِصٍ يُنشِئُ شُكراً لله.
الإنجيل: لو11:7-16 
     في ذلكَ الزمانِ كان يسوعُ منطلقاً إلى مدينةٍ اسمُها نايينُ وكان كثيرون من تلاميذهِ وجمعٌ غفيرٌ منطلقين معهُ. فلمَّا قرُب من باب المدينة إذا مَيِّتٌ محمولٌ وهو ابنٌ وحيدٌ لأُمّهِ وكانت أرملةً وكان معها جمعٌ كثيرٌ من المدينة. فلمَّا رآها الربُّ تحنَّن عليها وقال لها: لا تبكي. ودنا ولمس النعشَ (فوقف الحاملون). فقال: أيُّها الشابُّ لك أقول قُمْ. فاستوى الميِّتُ وبدأَ يتكلَّم فسلَّمهُ إلى أمّهِ. فأَخذ الجميعَ خوفٌ ومجَّدوا اللهَ قائلينَ: لقد قام فينا نبيٌّ عظيمٌ وافتَقَدَ اللهُ شعبهُ.
إن إنجيل اليوم الذي تُلي على مسامعنا،يدعونا لنتأمل ملياً بإجلالٍ وتقدير، لا بل برعدةٍ ورعشةٍ حول هذا الذي جرى في بلدة نايين، قبل حوالي ألفي عام. دخلها يسوع ومعه جمعٌ غفيرٌ من الشعب ومن تلاميذه، وعندما نقول مع تلاميذه بصورةٍ عامة، لا نقصد الاثني عشر فقط، بل تلاميذٌ كثر أولئك الذين لم يتركوا يسوع قدر ما يستطيعون، لكي يكونوا معه أمام مواقف عمله في كلِّ مكانٍ وفي كلِّ حين.

دخل تلك البلدة فرأى أن هنالك موكبٌ كبيرٌ من أجل دفن شابٍ وحيدٍ لأمه الأرملة، فتحنّن يسوع عندما رأى ما رأى. كلمةٌ عظيمةٌ تلك أن يسوع تحنّن. علينا أن نتعلّمها بمشاعرنا، علينا أن نتعلّمها بحبنا للآخرين، علينا أن نتعلمها بحيث نعمل عملاً يقابل تلك الكلمة التي تهز المشاعر.

ليس بسهلٍ أن يتحنّن الإنسان، ولكن عندما يتحنّن فإنه يُعبِّر عن موقف تجاه مَن تحنن إليهم، موقفٌ عظيمٌ جداً. تقدّم نحو تلك المرأة وقال لها: "لا تبكي". يسوع شعر بمشاعرها. هذا أمرٌ علينا أن نشترك فيه بعضنا مع بعض. أن نشعر بمشاعر الآخرين،... "لا تبكي"، وكأنه هو الذي بكى عنها. وتقدَّم نحو النعش ولمسه. بلمسته هذه أراد أن يقيم الفعل الذي أراده يسوع، وهو أن يُحقِّق عمل القيامة قبل مجيئها، أن يُقيم هذا الميت، أن يجعله حياً وبالواقع هذا ما حدث.

جلس الميت في النعش مندهشاً مستغرباً وبدأ يتكلّم، فسلّمه إلى أمه. مَن هي هذه الأم بالنسبة ليسوع؟ عادةً عندما يُقيم يسوع العجائب، يُقيمها على أساس فعل الإيمان. هنا لم نشعر بأنّ تلك المرأة مؤمنةٌ أم غيرُ مؤمنة، ولم نعرف شيئاً عن الشاب إن كان هو أيضاً مؤمناً أو غير مؤمن. يسوع يحبُّ الجميع، يحبُّ كلَّ الناس، يحب المؤمن وغير المؤمن، يريدنا كلّنا أن نكون مؤمنين، ولكنه يتعامل معنا بحبّه العظيم، بغض النظر عن هويتنا.
الإيمان أساسيٌّ بالنسبة ليسوع. ولكن حنانه يفوق فعل الإيمان، حنانه يتجاوز الأمور التي يرغب في أن تكون. حنانه مرتبطٌ بالمشاعر والأحاسيس البشرية، تلك التي هو أتى من خلال أحاسيسه ومشاعره ليفتدي البشرية، حينها مات ثم قام. ولكنه قبل ذلك أقام بعضاً من الناس كمثل هذا الشاب. ونتذكر أيضاً ابنة قائد المئة ونتذكر أيضاً لعازر. ولكن كلّهم عادوا فماتوا من أجل أن يتهيئوا للقيامة العامة، تلك القيامة التي لا موت فيها. هذه هي غاية مجيء يسوع. وما القيامات تلك التي أقامها كمثل إقامة ابن الأرملة في نايين، إلا برهانٌ على أنه سيُقيمنا بعد صلبه بقيامته هو، بقيامته المجيدة.

إذا أردنا أن نقول بأن حدث نايين قد فُسِّر بهذا الذي قلناه فهو يكفي. ولكن سأضيف الأهم. ما هو الأهم؟ الأهم هو أن يسوع يريد من كلِّ إنسان أن يعتبر نفسه نفساً مائتةً تموت بالخطيئة، تموت بأعمال الشر، تموت بالتعامل غير الحسن، تموت بنقص المحبة. يريدنا يسوع أن نتحرر من تلك الحواجز التي تقف بوجه أنفسنا المتّجهة إلى يسوع لتنال منها النعمة، نعمة العلاقة بيسوع من أجل اقتناء الملكوت. لذلك علينا دائماً أن نعتبر عندما نقرأ الإنجيل - لأن كلَّ حدثٍ من أحداث الإنجيل هي قصةٌ للقارئ لمن يسمع صوت المسيح عند قراءة الإنجيل - فنُدرك أنه هو المعني.

كلُّ واحدٍ منّا مَعنيٌّ بالحدث الذي تُلي على مسامعنا. نفوسنا تحتاج إلى قيامة، نفوسنا تمر بين حينٍ وحين بضعفاتٍ أي بموتٍ فعلينا أن نُحييها؛ فلنتجه نحو يسوع طالبين منه أن يكون العون الشافي لنا، أن نشعر بأننا نحن في نعش بلدة نايين وأننا ننتظر يسوع أن ينهضنا ولن ينهضنا إلا بعد أن نسعى جاهدين للتحرر من خطايانا، وهذا ما يجب أن يكون همنا الدائم.

مع محبتي للجميع بالمسيح ربنا آمين
كل عام و الجميع بألف خير
سامر يوسف الياس مصلح
بيت ساحور - 21-10-2012

ليست هناك تعليقات: