أرشيف المدونة الإلكترونية

السبت، 18 أغسطس 2012

الأحد الحادي عشر بعد العنصرة - أحد عيد تجلي ربنا و مخلصنا يسوع المسيح




في يوم 6 ، 19 آب من كل عام تحتفل الكنيسة الأرثوذكسية بتجلي السيد المسيح أمام أعين تلاميذه على جبل طابور، وهذا العيد المجيد هو من أهم الأعياد الروحية، لأن فيه تعييد وفرح بظهور مجد المسيح وبهائه علناً في الجسد، إنه تعييد لظهور مجد الملكوت الأبدي منظوراً في جسد بشري هو جسد ابن الله يسوع، ولكن للأسف لسبب مجيء هذا العيد دائماً في وسط صوم السيدة العذراء فإننا قليلاً ما نلتفت لأهميته وجلاله غير المعتاد ولقد أدرك آباء الكنيسة منذ العصور الأولى أهمية وعظمة هذه الحادثة حادثة التجلي، فتكلموا عنها كثيراً في كتاباتهم وعظاتهم.



تجلي المسيح إعلان مسبق لحالة ملكوت الله:

قال الرب يسوع قبل حادثة التجلي بأيام قليلة: "الحق أقول لكم أن من القيام ههنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتياً في ملكوته" (متى 28:16) أو "حتى يروا ملكوت الله قد أتى بقوة" (مرقس 1:9). وقد حقق يسوع وعده هذا لثلاثة من تلاميذه الذين كانوا معه عندما نطق بهذه الكلمات وهم بطرس ويعقوب ويوحنا، إذ بعد ستة أيام أخذهم وصعد بهم إلى جبل عال (طابور)، وعلى هذا الجبل العالي تغيّرت هيئة المسيح قدام تلاميذه وأضاء وجهه كالشمس وثيابه صارت بيضاء كالنور، وكان النور الذي يشع من وجه المسيح شديد اللمعان حتى أن بطرس ظن أنه واقع تحت تأثير الشمس فعلاً ولذلك قال ليسوع "يا رب جيد أن نكون ههنا فإن شئت نصنع لك ثلاث مظال" (متى 4:17) ولكن النور الشديد كان هو نور اللاهوت الأشد لمعاناً من الشمس الطبيعية، وهذا يبين أن النور الذي كان يشع من جسد يسوع ويخترق ثيابه ويجعلها مضيئة أيضاً كان نور حقيقياً منظوراً ولم يكن فقط استنارة لعقول التلاميذ هذا النور ليس نوراً مخلوقاً كنور الشمس بل هو نور الطبيعة الإلهية النور الأزلي غير المخلوق إنه نور العالم الذي كوّن العالم وقد احتجب هذا النور بواسطة جسد المسيح ولكن حتى في الأوقات التي لم يظهر فيها المسيح متجلياً بهذا النور فإنه كان موجوداً ولكنه أخفى بإرادته هذا المجد والبهاء بواسطة الجسد حتى يستطيع الناس أن يقتربوا منه في صورة إنسان عادي، وفي وقت التجلي قصد المسيح أن يرى التلاميذ الثلاثة هذا المجيء الإلهي المستقر حتى يعرفوا نوع المجد الذي سيأتي به المسيح في مجيئه الثاني. وفي هذا يقول القديس باسيليوس الكبير: "إن التلاميذ الثلاثة رأوا جمال المسيح الإلهي وجعلوا مستحقين أن يروا بعيونهم بداية المجد الذي سيظهر به في مجيئه الثاني من السماء" (شرح مزمور 44).  
ويقول القديس غريغوريوس الثيولوغوس: "إنه في وقت التجلي اخترقت ألوهية المسيح جسده الذي كان يحجب مجد الألوهة" ، ويقول: "إن الرب في مجيئه الثاني سيأتي بجسد مشابه لما أظهره لتلاميذه على الجبل" (الرسالة 101).

ويقول القديس يوحنا فم الذهب: "إن القصد من التجلي هو أن يعرف التلاميذ ويروا بقدر المستطاع نوع المجد الذي سيظهر به المسيح في مجيئه الثاني" (عظاته على إنجيل متى). 
 
ويقول القديس مار أفرام السرياني في عظته على التجلي: "إن أولئك القوم الذين قال عنهم الرب أنهم لن يذوقوا الموت حتى يروا مثال مجيئه، هؤلاء هم الذين أخذهم معه إلى الجبل وأراهم الحالة التي سيأتي بها في اليوم الأخير، وهذا المجد الذي ظهر في التجلي هو مجد القيامة لذلك أوصى المسيح تلاميذه وهم نازلون من الجبل أن لا يعلموا أحداً بما رأوا حتى يقوم ابن الإنسان من الأموات مشيراً بذلك أن ما رأوه هو حالة نورانية الجسد التي تحدث في القيامة، ولذلك ليس من اللائق أن يتحدثوا عنها قبل أن يقوم هو". والهدف من ظهور المسيح بحالة مجد القيامة قبل حدوث القيامة هو أن نعرف أن المجد الذي سيظهر في القيامة هو موجود أصلاً قبل القيامة لأنه مجد الألوهية الذي كان يحجبه الجسد، ثم بعد الصليب فاض هذا المجد بدون مانع، وظهر علناً في جسد المسيح القائم من بين الأموات، وفي هذا المجد عينه صعد يسوع إلى السماء، وهو الآن في مجد وبهاء ونور يفوق الوصف والتصور، هذه المجد الذي رآه استفانوس عندما شخص إلى السماء وقت استشهاده، وهو النور الذي أبرق حول شاول في طريق دمشق – نور أفضل من لمعان الشمس – حتى فقد بصره من شدة النور، والذي رآه يوحنا في الرؤيا: "وجهه كالشمس وهي تضئ في قوتها".  هذا المجد نفسه مجد المسيح موجودا في الكنيسة التي هي جسده، ولكنه مجد خفي لا يحسه الآن إلاّ الذين ينير الروح القدس عيون قلوبهم ليروا المسيح حياً فيهم وفي وسطهم بمجده ومجد أبيه. وهذا هو المجد نفسه الذي سيظهر به في مجيئه الثاني، وفي مجيئه الثاني سيغير أجساد المؤمنين ليكونوا على صورة جسد مجده كما يقول الرسول بولس وكما يقول الرب نفسه: "وحينئذ يضئ الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم" (متى 43:13)، إذا فتجلي المسيح لا يرينا فقط حالة المجد التي سيأتي بها هو في مجيئه الثاني، ولكنه يرينا أيضاً الحالة التي سيكون عليها أولاد الله، في الدهر الآتي عند مجيء المسيح، وهذا ما يصرّح به يوحنا الرسول: "ولكن نعلم أنه إذا أظهر نكون مثله لأننا سنراه كما هو، وكل ما عنده هذا الرجاء به يطهر نفسه كما هو طاهر" (1 يوحنا 2:3) 

 
تجلي المسيح وحياتنا الحاضرة:

وإن كان نور التجلي يرينا حالة المجد الذي سيستعلن فينا، فإن المجد الذي سيظهر في المستقبل مستمد من المسيح شخصياً، وعربون هذا المجد يناله المؤمنون هنا، على الأرض، مسكن الروح القدس واضطرامه فيهم، لأن الروح القدس الذي يُعطى لنا الآن من المسيح هو عربون ميراثنا، أي هو عربون المجد السماوي الذي يتحقق بمجيء المسيح.

المسيحي موجود في العالم، ولكن الحياة الجديدة التي ينالها بالمسيح منذ الآن هي ليست من هذا العالم، ولذلك فالمسيحي ليس من العالم، ولكنه يعيش في العالم، المسيحي الذي يؤمن بالمسيح وينال روحه بداخله هو ينتظر باشتياق مجيء الرب، لأن نور المسيح المتجلي، المسيح الحي، قد أشرق في قلبه، وبهذا النور يحس بقلبه، جمال مجد المسيح، ولذلك يشتاق إلى يوم الاتحاد الكامل بالرب "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ذاك أفضل جدا" (فيلبي 23:1).

ولكن المسيح يعد منذ الآن للاشتراك في المجد الآتي وهذا الإعداد يتم بتطهير القلب من الظلمة ومن الخطية، بقوة نور المسيح، الذي ينقلنا من الظلمة إلى النور. يقول الرب يسوع "أنا قد جئت نوراً إلى العالم حتى أن كل من يؤمن بي لا يمكث في الظلمة" (يوحنا 46:12)، ويقول أيضاً "آمنوا بالنور لتصيروا أبناء النور" (يوحنا 36:12)، إن الإيمان بيسوع بالحق وبكل القلب، والالتصاق بيسوع الذي هو النور، يجعلنا نتحول من الداخل ونصير منيرين، أي أبناء النور. ولذلك يقول الرب يسوع: "أنتم نور العالم" (متى 14:5) لأن الإنسان الذي يؤمن بالمسيح ويتبعه تمتلئ حياته بقوة نور المسيح، ويظهر هذا النور في أعماله فيصير موصلاً لمحبة المسيح وصلاحه، وشاهداً للنور الأصلي، الذي اكتسب منه قوة الإنارة، أي المسيح.


يقول الرب يسوع: "سراج الجسد هو العين، فمتى كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيراً، ومتى كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلماً، أنظر إذاً لئلا يكون النور الذي فيه ظلمة" (لوقا 33:11)، والعين البسيطة هي القلب الذي ينظر إلى المسيح ببساطة واستقامة وحب، فيمتلئ من نور المسيح الذي يدخل حتى أعماق القلب، والقلب الذي يمتلئ بنور المسيح، تهرب منه الظلمة بكل أنواعها ويصير قلباً نقياً يستطيع أن يرى مجد الله "طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله" (متى 8:5).

فمن يريد أن تتجلى حياته بنور المسيح المشرق لا بد أن يهتم بتطهير قلبه، كما يقول يوحنا "كل من عنده هذا الرجاء به يطهر نفسه كما هو (المسيح) طاهراً (1 يوحنا 3:3). ومن الجهة الأخرى فإن القلب يتنقى ويصير مضيئاً عن طريق النظر الداخلي إلى المسيح، والاتصال به كثيراً في الصلاة، كما يقول الرسول بولس "ونحن جميعاً ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف، كما في مرآة نتغيّر إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح ... أي بمداومة التطلّع إلى المسيح بقلوبنا ننظر داخلياً مجد المسيح" ولكن يقول الرسول "كما في مرآة" أي ليس عياناً، بل نرى مجد المسيح منعكساً على مرآة قلوبنا وهذا المجد الذي ننظره هو يغيرنا من الداخل، إذ يجعلنا نكتسب قوة نور المسيح في داخلنا فنتجدد بقوة النور الإلهي باستمرار لنصير مشابهين لصورة مجد المسيح. وهذا هو عمل الروح القدس فينا.

إن نور المسيح الذي يشرق في قلوبنا الآن هو نور خفي لا ينظر الآن ولكن هذا النور الذي يختزن فينا منذ الآن ويعمل في تجديدنا يوماً فيوماً هو نفسه، الذي سيشرق على أجسادنا ليحقق مجد القيامة عند مجيء المسيح. كما يقول القديس مكاريوس "وبمثل ذلك تتمجد أجساد القديسين في قيامة الأبرار، وهذا المجد عينه تحسب النفوس القديسة الأمينة أهلاً لاقتنائه في الإنسان الباطن حتى في هذه الحياة الحاضرة ... أعني مجد النور، ونقاوة الروح العقلية التي تُمنح لهم منذ الآن بأسلوب خفي، فمن ثم يظهر ذلك في جسدكم أيضاً في القيامة، لأن المجد الذي يحرزه القديسون الآن في نفوسهم، هو بعينه يستر أجسادهم العارية ويكسوها ويختطفها إلى السماء، فيستريح هناك مع الرب في ملكوته، جسداً ونفساً إلى الأبد" (العظة الخامسة).
  

التجلّي والصليب: 

مما يلفت انتباهنا جداً في حادثة تجلي المسيح، إن موسى وإيليا اللذان ظهرا معه بمجد وقت التجلي كانا يتكلمان معه عن خروجه الذي كان عتيداً أن يكمله في أورشليم (لوقا 31:6) آلام الصليب والموت هي موضوع الحديث وقت التجلي. ألا ينبهنا هذا أن الآم الصليب الفادية هي الطريق إلى تحقيق ملكوت الله في الخليقة، ذلك الملكوت الذي أعلن المسيح بداية ظهوره في جسده هو شخصياً بالتجلي.


الصليب أو الموت هو طريق القيامة بجسد المجد، المجد والقيامة والحياة كانت محتجبة ومستترة في جسد المسيح. ولما بذلك المسيح جسده بإرادته مقدماً نفسه بالحب الكامل ليذبح على الصليب، تفجّرت الحياة من داخله وانبثق النور الإلهي حتى ظهر علناً في جسد القيامة المضيء البهي الممجد، الذي لا يسود عليه الموت بعد، لكي يهب الحياة والنور لكل قلب يتبعه ويؤمن به ويثبت فيه.


ولكي يسطع النور فينا نحن لا بد أن ننال حياة المسيح بداخلنا، فنشع بنوره ونصير "نور العالم" "ويضيء نورنا قدام الناس" بأعمال المحبة.

إن أردنا أن نشترك في ميراث النور – يلزمنا أن ننكر ذواتنا ونحمل الصليب ونتبع المسيح. يلزم أن نسلّم ذواتنا تماماً لله طائعين الوصية. يلزم أن نمارس الموت الإرادي عن حب صادق للمسيح. يلزم أن نفتح قلوبنا وكياننا كله للروح القدس لنمتلئ بحياة المسيح، ونعرف قوة قيامته فنستطيع أن نميت أهوائنا على الأرض، طريق صلب الذات والأهواء هو طريق القيامة والتجلي. وهو نفسه طريق المحبة لله من كل القلب، والمحبة للأخوة، هو طريق طاعة وصية المسيح، هو طريق الصلاة والالتصاق بالرب بكل القلب. طريق المحبة من قلب طاهر بشدة. المحبة التي تثبت في النور، "من يحب أخاه يثبت في النور ... أما من يبغض أخاه فهو في الظلمة" (1 يوحنا 10:2) وحب المسيح هو النور الطارد للظلمة.

المسيح يدعونا بتجليه أن نشترك معه، فلنضع المسيح الممجد بالصليب أمام قلوبنا، ولنملأ قلوبنا دوماً يوماً فيوماً بنور وجه المسيح بالتطلع الدائم نحوه في الصلاة وفي الإنجيل وفي الأفخارستيا، فكل ما تختزنه قلوبنا الآن من نور المسيح في الداخل، هو الذي سيشع ويفيض على أجسادنا في القيامة عند مجيء المسيح. وهذا هو المجد الذي سيستعلن فينا، المجد الذي تنتظره أيضاً الخليقة كلها. "انتظار الخليقة يتوقع استعلان أبناء الله ... لأن الخليقة ستعتق من عبودية الفساد إلى حرية مجد أولاد الله" (رومية 19:8). إن الكون المادي سيتجلى بنور مجد المسيح عندما تتغير الأجساد في مجيء المسيح وتضيء بمجد القيامة، هذه هي السماء الجديدة والأرض الجديدة التي ننتظرها حسب وعد الرب.

إن مجد الدهر الآتي قد حلّ فينا منذ الآن. وعلينا أن نراه ونتذوقه بالروح القدس كعربون داخلي خفي في نفوسنا، إلى أن يأتي الرب ويكمل اتحادنا به إلى الأبد. آمين.


من أقوال آباء الكنيسة عن التجلي: 

منظر عجيب ومشهد سام غريب على جبل تابور! نور سطع على جبل تابور، فأضاء منه جبل حرمون، كما يهتف الملك والنبي داود نبوياً "تابور وحرمان باسمك يتهللان".

نور بزغ من يسوع المسيح الذي هو شعاع مجد الآب وصورة أزليته، نور شهده ثلاثة شهود وهم: بطرس ويعقوب ويوحنا الذين سبق مخلصنا فأنبأ قبل تجلّيه بستة أيام عن مشاهدتهم هذا النور الإلهي والمجد الأزلي بقوله: "ههنا قوم من القيام لا يرون الموت حتى يعاينوا ابن البشر آتياً بمجده". لذلك يقول متى البشير "ومن بعد ستة أيام ..." أي بعد ستة أيام من هذا الوعد، أو بعد "ثمانية أيام" بحسب رواية لوقا البشير، لأن القديس متى أراد بالستة أيام تلك التي بين يوم الوعد ويوم التجلي وأن القديس لوقا فإنه أراد بالثمانية أيام يوم الوعد ويوم التجلي والستة أيام التي بينهما. فمن بعد هذا الوعد أخذ يسوع تلاميذه بطرس ويعقوب ويوحنا وصعد بهم إلى جبل عال وتجلّى أمامهم فأضاء وجهه كالشمس وصارت ثيابه بيضاء كالنور وظهر لهم موسى وإيليا يتكلمان معه والنور الإلهي الذي يتمتع برؤيته ملائكة السماء قد شاهده تلاميذ الرب على جبل تابور فكان الجبل سماء والناس ملائكة.
    أما غاية التجلّي فهي: 

أولاً: ليظهر أن يسوع المسيح هو إله وابن الله معادل لأبيه في الألوهية وكامل 

     الصفات الجوهرية.

ثانياً: لكي إذ عاينوه مصلوباً يفطنوا أن آلامه طوعاً باختياره لا جبرا عنه، وهذا 
      وذاك قد أشار إليهما قنداق التجلي.

ثالثاً: لكي يرسم لنا المجد العتيد أن يتمتع برؤيته الطوباريون في الملكوت السماوي.

رابعاً: لكي يوضح لنا أن الأبرار هكذا يلمعون كالشمس في ملكوت أبيهم. 

أما ظهور موسى وإيليا فهو ليبيّن لنا أن يسوع المسيح هو موسى ولا إيليا ولا واحد من الأنبياء كما كان يظنه البعض بل هو "رب" موسى والأنبياء. ولذلك ظهر إيليا الحي وموسى من عالم الأموات ليحققا لنا أن يسوع المسيح هو إله الأحياء والأموات. 

هلمّوا نصعد إلى جبل تابور فنعاين هناك منظراً عجيباً ومشهداً غريباً. هلمّوا لنشاهد نوراً اندهش منه القديس بطرس فلم يسعه إلا أن يهتف نحو مخلصنا هكذا " يا رب جيد أن نكون ههنا فلنصنع ثلاث مظال: لك واحدة ولموسى واحدة ولإيليا واحدة". 
 
ولماذا أيها المغبوط بطرس؟
فيجيبنا قائلاً: لأني أتمتع بمنظر وفرح وسلام.
- أتمتع بمنظر – إذ أشاهد نوراً يفوق البدر بهاء والشمس ضياء. 
- أتمتع بفرح – لأن منظر النور البهي من شأنه أن يملأ القلوب فرحاً وسروراً والنفوس بهجة وحبوراً. 
- أتمتع بسلام – لأننا بعيدون عن ضوضاء العالم، بعيدون عن طالبي يسوع لكي يميتوه. 


وفيما هو يتكلّم بهذا إذا سحابة منيرة لا مظلمة كتلك التي شاهدها موسى على جبل سيناء وإيليا على جبل حوريب، بل سحابة منيرة قد ظللتهم وصوت من السحابة يقول: "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت فله اسمعوا".

"له اسمعوا" ولماذا؟ - لأن الله سبحانه وتعالى أراد أن ندخل الحياة من الباب الذي دخل منه الموت: لأنه كما أن الموت دخل من أذن مصغية لأقوال معلم كاذب هو الشيطان بفم الحية، لذلك أراد أن ندخل الحياة من أذن صاغية إلى أقوال معلم صادق هو يسوع المسيح "فله اسمعوا" . 

فله اسمعوا يا جميع الأمم وانصتوا يا جميع سكان الدنيا الغني والفقير معاً وجميع بني البشر فإن "فمه يتكلّم بالحكمة وقلبه يهذّ بالفهم" فله اسمعوا. 

يعلمكم تعاليم سامية شريفة، تعاليم روحية سماوية، تعاليم مقدسة خلاصية، تعاليم أدبية مملوءة من الحكمة الإلهية، فله اسمعوا.
يريد منكم أن تحبوا بعضكم بعضاً – بل أن تحبوا أعداءكم وتباركوا لاعنيكم وتحسنوا إلى مبغضيكم. 

يعلمكم بأن تكونوا ذوي قلوب طاهرة، وأفكار صالحة، وضمائر نقية، وأعمال مستقيمة. يريد منكم أن تتنزهوا عن الحقد والبغض والرياء والغش والخداع والنميمة والتجديف والكلام البطال وكل ما من شأنه أن يشين الإسم المسيحي، فله اسمعوا. 
يوصيكم بالآية الذهبية التي أذهلت الفلاسفة حتى طأطأوا لها الرؤوس إجلالاً وهي: "كما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا أنتم أيضاً بهم". 

يريد منكم وإن كنتم بشراً طبعاً أن تكونوا ملائكة وصفاً، آلهة وبني العلي وضعاً. 

وخلاصة القول: إن أردتم أن تماثلوا جبل تابور فيأتي يسوع المسيح ويتجلّى في قلوبكم وفي نفوسكم "فله اسمعوا" وحينئذ ينحدر لا من جبل تابور مع موسى وإيليا بل من تابور العلوي مع أبيه السماوي وروحه القدوس ويتجلى في قلوبكم وفي نفوسكم. 

فسبينا إذاً أن نكون لأقوال يسوع سامعين، ولوصاياه حافظين، ولأوامره تعالى متممين، وعن مرضاته مستفحصين، وحينئذ نماثل جبل تابور بل نفوز بمجد تابور العلوي الذي كان نور تابور رسماً ومثالاً له، وهناك نلمع كالشمس في ملكوت ربنا يسوع المسيح الذي له المجد والإكرام والسجود مع أبيه الذي لا بدء له وروحه القدوس من الآن وإلى دهر الدهور. آمين.


مع محبتي للجميع بالمسيح ربنا آمين
كل عام و الجميع بألف خير
سامر يوسف الياس مصلح
بيت ساحور - 19-08-2012

ليست هناك تعليقات: