أرشيف المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 28 مايو 2014

عيد الصعود الإلهي - جبل الزيتون

الصعود الإلهي

تعيد الكنيسة يوم الخميس الواقع بين أحد الأعمى وأحد الآباء لعيد الصعود الإلهي و يذكره القديس لوقا الإنجيلي في الإصحاح الأخير من إنجيله وفي بداية كتابه أعمال الرسل (لو44:24-53) و (أع1:1-14)، مشكّلاً الحدث الأخير لحياة المسيح على الأرض والظهور الأخير للسيد القائم من بين الأموات، و به تنتهي مسيرة المسيح الجسدية على الأرض وتبدأ بعدها مسيرة أخرى للتلاميذ متابعين ما بدأه السيد لتأسيس الكنيسة، وكأنه حلقة الوصل بين عمل السيد الخلاصي وبين بشارة التلاميذ للعالم.
فبعد أن عشنا ولمدة أربعين يوما مع التلاميذ، بعد قيامة السيد، نمجد قيامته الخلاصية ببهجة وفرح نوجّه الآن معهم أنظارنا نحو جبل الزيتون (أع12:1) مودّعين وساجدين للمسيح الصاعد إلى السموات.

يرافق حادثة الصعود أجواء الفرح والتمجيد للانتصار الذي تم. المسيح أنهى عمله الخلاصي منتصراً على الموت وهو يصعد من الأرض إلى السماء كمنتصر وغالب، أما التلاميذ فيمجّدون المخلّص المنتصر و الآب يستقبله مع الملائكة. هذه الأجواء الفرحة لصعود السيد المجيدة تعبّر عنها القطعة الأولى لصلاة الغروب من خدمة هذا العيد:
"إن الرب قد صعد إلى السموات لكيما يرسل المعزّي إلى العالم.
فالسموات هيّأت عرشه والغمام هيّأ ركوبه.
الملائكة يتعجبون إذ يلاحظون إنساناً أعلى منهم. الآب يقتبل في أحضانه من كان معه أزلياً.
الروح القدس يأمر جميع ملائكته ارفعوا يا رؤساء أبوابكم.
فياجميع الأمم صفقوا بالايادي لأن المسيح صعد إلى حيث كان أولاً"


فرح هذا العيد ليس فقط لتمجيد السيد الصاعد بل أيضاً لتحقق خلاص البشرية، لأن المسيح صعد إلى السماء حاملاً الطبيعة البشرية وأجلسها عن يمين مجد الآب. وهكذا وكما بقيامته من بين الأموات أصبح بكر القائمين أيضاً بصعوده أصبح بجسده بكر الطبيعة البشرية التي جلست عن يمين الآب. وتعبّر ذكصا أبوستيخن صلاة الغروب عن انتصار الطبيعة البشرية بصعود السيد:
"صعد الله بتهليلٍ الرب بصوت البوق
ليرفع صورة آدم الساقطة
ويبعث الروح المعزي ليقدّس نفوسنا"
هذا الفرح لصعود المسيح يقترن مع الحزن لفراقه، ويصف كاتب التسابيح، في القطعة الرابعة في صلاة الغروب، حزن التلاميذ عند مشاهدتهم السيد صاعداً إلى السماء:
"أيها المسيح الواهب الحياة إن الرسل لمّا عاينوك متعالياً في السحاب
فامتلأوا عبوسةً وناحوا بعبراتٍ ونحيبً قائلين:
أيها السيد لا تغادرنا يتامى نحن عبيدك الذين احببتنا برآفتك بما أنك المتحنن
لكن أرسل لنا روحك الكلي قدسه كما وعدت لينير نفوسنا"
فرح لإمكانية نيل الخلاص وحزن لفراق السيد، لكن كلّها برجاء أن السيد لن يتركنا يتامى بل سيرسل لنا الروح القدس المعزي الذي سيبقى معنا دائماًً، فسيتبع صعود السيد إلى السماء انحدار روحه القدوس إلى العالم وهذا ما تعبّر عنه القطعة الأولى من الليتين:
"يارب لقد صعدت إلى السموات من حيث انحدرت
فلا تتركنا يتامى لكن فليأت روحك حامً سلامةً للعالم
وأعلن لبني الناس أفعال قدرتك أيها الرب المحب البشر"
عيد الصعود هو سر كبير تعيشه الكنيسة ليس فقط في يوم الاحتفال بالعيد بل بكل لحظة يتوجه فيه المؤمن في صلاته نحو المخلص الذي صعد إلى السماء وجلس عن يمين عرش مجد الآب، كما شاهده القديس استفانوس يوم استشهاده: "وَأَمَّا هُوَ فَشَخَصَ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ مُمْتَلِئٌ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ فَرَأَى مَجْدَ اللهِ وَيَسُوعَ قَائِماً عَنْ يَمِينِ اللهِ. فَقَالَ: هَا أَنَا أَنْظُرُ السَّمَاوَاتِ مَفْتُوحَةً وَابْنَ الإِنْسَانِ قَائِماً عَنْ يَمِينِ اللهِ" (أع55:7-56).

المؤمن الذي يعيش في الكنيسة يشعر بيد الله تباركه ويسمع كلامه عن إرسال الروح القدس بأنه سيأتي ليبقى معنا دوماً، فيتأكد الإنسان عندها أنه ليس وحيداً فيتقوّى ويجابه الخطيئة بنعمة الروح القدس، هو يعيش على الأرض ولكن فكره يجب أن يكون موجّه دوماً نحو السماء وليس فكره فقط بل ونظره وهذا ما يدعونا إليه بولس الرسول: "فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ قُمْتُمْ مَعَ الْمَسِيحِ فَاطْلُبُوا مَا فَوْقُ، حَيْثُ الْمَسِيحُ جَالِسٌ عَنْ يَمِينِ اللهِ. اهْتَمُّوا بِمَا فَوْقُ لاَ بِمَا عَلَى الأَرْضِ، لأَنَّكُمْ قَدْ مُتُّمْ وَحَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ الْمَسِيحِ فِي اللهِ" (كو1:3-3).

لكن الشرط الأساسي لكي نراه هو أن نقوم معه، فالذين يعرفون القيامة ويعيشونها في حياتهم سيعرفون كيف صعد المسيح وأين جلس، والشرط الآخر لكي نقوم معه هو أن نمتلئ من نعمة الروح القدس كما حدث مع القديس استفانوس يوم استشهاده. فهل نحن ممتلئون من الروح القدس لنعيش هذا العيد حقيقة أم بعد نحن غرباء نريد كل شيء إلا الذي يربطنا بالسماء لأنه مُتعب وصعب. لكن مع ذلك أرسل الآبُ الروحَ القدس الذي ينتظر المجاهدين الظافرين لكي يسكن فيهم ويقدّسهم فيكونوا من أهل القيامة يرون ويسبّحون ويمجّدون الساكن في السماء عن يمين الآب.
                                                  صلِّ حتى لا يُمسكك العالم فيؤخرك

شرح ايقونة الصعود:
                                     
 


 أن كل ما في الايقونة  مطابق لرواية الانجيل. لقد أمر الرب ان يجتمع التلاميذ كي يسلّمهم رسالته وتوصياته الاخيرة،وهذا ما تظهره الايقونة، إنها الكنيسة ملتئمة تحت عطاء النعم المستمر. نرى أمامنا الرسل مجتمعين على جبل الزيتون، كما امرهم الرب، ليتلقوا الرسالة الاخيرة.المسيح يباركهم" وبينما هو يباركهم افترق عنهم واختطف الى السماء بسحابة "،الايقونة تجعل من هذه العبارة محور تأليفها . شعور بالسلام والصلاة والتمجيد ينبعث من هذه الايقونة.

الايقونة كلها في حركة مستمرة وأشخاصها في انتفاضة حيوية ما عدا مريم فهي منتصبة في وسطها، فيها ثبات لا يتزعزع ولانتصابها معنى عميق، انها رمز للكنيسة التي تولد الآن أمام أعيننا : المسيح رأسها، والدة الاله صورتها والرسل اسسها، تنمو بالبركة المستمرة الآتية من السماء. مريم هي المقر الرئيس حيث يجتمع العالمان الأرضي والسماوي.

 لم يذكر الكتاب المقدس وجود مريم مع الرسل في حادثة الصعود ولكن التقليد يثبت ذلك في سحر العيد اذ نسمع النشيد التالي : " أقبلت مع تلاميذك الى جبل الزيتون فكانت معك والدتك يا بارئ الكل، فان التي توجعت حين آلامك أكثر من الجميع وجب ان تتمتع أكثر من الكل بالفرح بتشريف ناسوتك أيها السيد " .

وبما ان الايقونة صورة حية للطقوس أتت على هذا الشكل وبرزت مريم في الوسط بهدف تعليمي.رقة مريم،مع رشاقتها الشفافة ووجهها الصافي،تتعارض مع وجوه الرسل، ذات الملامح الحادة التي تحيط بها .
    
انتصابها متجه نحو السماء وجسدها ممشوق الى العلاء.ترتل لها الكنيسة نهار الصعود : " أفرحي ايتها الملكة فخر العذراى والامهات " ..
يداها تتوسلان من أجل الانسانية وهي تنظر دائما الى البشرية، تدعوها الى الاشتراك في حياة الثالوث .

تشكل أطراف ذراعي الملاكين  المرتفعة وقدما البتول ثلاث نقط لمثلث منتظم . ويميّز هذا عن مجموع الرسل,فينقل بجلاء صورة الثالوث الأقدس الذي الكنيسة علامته وبصمته: أنه سكون المنهل الأبوي في العذراء . ويرمز الملاكان الى الكلمة والروح القدس صانعي الخلاص الإلهيين .
ينسقم الرسل في الايقونة الى قسمين متوازين: الرسل الستة الواقفون الى الشمال يعبرون عن توق النفس الى العلاء لانهم يحدقون الى فوق. أما الرسل الواقفون الى اليمين فهم يحدقون الى مريم وينذهلون أمام السر الكامن فيها.

نرى المسيح محاطا بعدة دوائر كروية كونية ، حيث يتلألأ مجده، ويدعمه في تحليقه ملاكان، لون ثيابهما من لون ثياب الرسل : أنهما ملاكا التجسد ، يلفتان الانتباه الى ان المسيح الذي ترك الارض بجسده لن ينفصل عنها وعن المؤمنين المرتبطين به بدمه الكريم . المسيح ايضا يرتدي ثيابا بلون ثياب الرسل وهذا شيء مقصود : 

المسيح يترك الثرى بجسده الارضي وبه يدخل في مجد الثالوث، المسيح يبسط يده اليمنى ليبارك،ويمسك بيسراه ملف الكتاب المقدس . انه منهل النعم والبركات والكلمة المثقّفة، فلا يحول صعوده الى السماء دون رسالته هذه . " لن اترككم يتامى " .

الملاكان السماويان يقولان للرسل الشاخصين نحو السماء : " ايها الرجال الجليليون ما بالكم واقفين تنظرن الى السماء، ان يسوع هذا الذي ارتفع عنكم الى السماء سيأتي هكذا كما عاينتموه منطلقا الى السماء ."  

تشغل والدة الاله وسط الايقونة . فهي محور المجموعة الامامية، إذ تبرز على خلفية الملاكين : انها أنقى من الشروبيم وأرفع شأنا من السرافيم " وهي النقطة المركزية المعيّنة سلفا حيث يلتقي فيها عالم الملائكة وعالم البشر ، السماء والارض . ولكن المسيح " جالس عن يمين الآب فوق كل رئاسة وسلطان وقوة وسيادة هو رأس الكنسية التي هي جسده

وكمال من يكتمل في جميع الكائنات " ( أفسس 1: 20 – 23 ). العذراء صورة الكنيسة ، وتمثّل دائما تحت المسيح ابنها .  

وضعها مزدوج : فهي " المصلية" لدى الله المتشفعة دائما ، والطاهرة النقية القائمة تجاه العالم . انها قداسة الكنيسة ، ويداها المفتوحان للعطاء والتقدمة والتوسل لاجل العالم .

يحيط الرسل بالعذراء مؤلفين حولها حلقة كاملة ومنقسمين الى فئتين متساويتين . فتشير حركتهم الى كرازتهم  والتبشير وكثرة اللغات والتعابير عن الحقيقة الواحدة .


طروبارية عيد الصعود : لقد صعدت بمجد ايها المسيح الهنا،وفرحت تلاميذك بموعد الروح القدس،إذ أيقنوا بالبركة،أنك أنت ابن الله المنقذ العالم 

قنداق عيد الصعود :  لما أكملت التدبير الذي على الأرض متحدين بالسماويين صعدت بمجد أيها المسيح إلهنا  غير منفصل من مكان لكن ثابتا بغير افتراق وهاتفا بأحبائك أنا معكم وليس احد عليكم "

صعد الله بتهليل الرب بصوت البوق .

خلّصنا يا ابن الله يا من صعد بمجد الى السماوات نرتل لك هللويا



مع محبتي للجميع بالمسيح ربنا آمين
كل عام و الجميع بألف خير
 سامر يوسف الياس مصلح
بيت ساحور - 29-05-2014

ليست هناك تعليقات: