أرشيف المدونة الإلكترونية

السبت، 4 أغسطس 2012

الأحد التاسع بعد العنصرة



الأحد التاسع بعد العنصرة


عاملون مع الله

الله لا يعمل وحده كـل شيء. يـريدنا أن نعمل معه، غيـر انـه هو المبـادر بسكب النعمة عليـنا. لذلك يقول بـولس: “انـتم حرْث الله وبـناء الله”. هو الحارث في أرضنا ونحن بنـاؤه. ولكن يـذكّر بــولس، بـما انـه رسول اي حامل تـفويـضًا من الله بـالنـعمة، أنه هو وضع الأساس في الكنـيسة وآخـر اي كل مؤمـن يبني على هذا الأساس. اي أساس يضع بولس؟ يجيب: الأساس يسوع المسيـح. كل شيء يـوضع على هذا الأساس، ذهب او فـضّة او حجارة ثمينـة او خـشب او حشيـش أو تبن.

عمل كل واحد سيكون بيّنًا لأنّ الربّ سيُظهره في يوم الدين “لأنّه يعلن بالنار” اي بالتمحيص الإلهي. اذ عمل كل انسان يبيّنه الله. فمن بقي عمله بعد الفحص الإلهي سينال أجرة. ثم يقول الرسول: “من احترق عمله فسيخسر وسيَخْلُص هو، ولكن كمن يمر في النار”. والمعنى انه لن يخلص لأنّ النار لا تبقي على أحد او على شيء.

ويدعم بولس موقفه هذا بقوله: “اما تعلمون أنـكـم هيكـل الـله وأن روح اللـه ساكـن فيـكم؟”. يـسكنكـم الله بالمعمودية والميرون والقرابين المقدسة، فكيف تُفسدون بالخطيئة هيكل الله كأنكم لم تتعمّدوا ولم تقتبلوا مسحة الميرون ولم تتناولوا جسد الرب ودمه ولم تطهروا بالإنجيل وضميركم الحي.

ثم يُصعّد بولس لهجته بقوله: “من يُفسد هيكل الله (بالخطيئة) يُفسده الله لأنّ هيكل الله مقدّس وهو أنتم”. انتم بصيغة الجمع تعني اننا كنيسة الله او هيكله.
من هنا ان ارتكاب الخطيئة استهتار بعطاء الله الذي ثمرته طهارتنا. “نباهة النفس” كما يقول قداس يوحنا هي التي تجعلنا واقفين أمام كل إغراء لأننا اذا أحببنا الله حتى النباهة نكون قد ورِثنا كمال ملكوت السموات كما يقول الذهبي الفم بعد الاستحالة. القربان هو ميراثنا الملكوت منذ الآن، والقربان هو الذي يحيينا أي يحيي العظام وهي رميم لأنّ الروح القدس حاضنها وهي في القبر وهو الذي يقيمها في اليوم الأخير.

وهنا يجب ان نذكر قول القديس غريغوريوس بالاماس أنّ لنا قيامة أولى وهي المعمودية ويجب أن نذكر ايضًا كلام السيّد لمرتا أخت اليعازر: “انا هو القيامة والحياة” اي ان هذه القيامة الأولى مستمرّة اذا أحببنا يسوع فتأتي القيامة الأخيرة ثمرة لهذا الحب الموصول الذي لنا ليسوع.

المبتغى اذًا الّا ننسى محبّتنا الأولى ولا نخون ولا نبدّل محبّتنا للسيّد بمحبّات باطلة لا توصلنا الى السماء. لنا في هذه الدنيا مودّات وارتباطات شرعيّة كما في الزواج، ولكن كل هذه إن لم تكن على طريق محبّتنا للرب تكون مدمّرة وباطلة. هي كلّها قائمة فقط إن كانت انعكاسًا لحبّنا للحبيب الوحيد. كلنا -أيّا كان وضعنا في الحياة- لا نثبت الا اذا استجبنا للمحبة التي يحبّنا بها المخلّص. لنا ان نرى لنا أحبة، ولكن تبقى عيوننا موجّهة الى عيني المسيح. إنّ نـظره اليـنا هو الذي يـجعلنا صامدين في محبّته الى ان نـصبح جسده الكامل عند القيامة الأخيرة.


الرسالة: 1كورنثوس 9:3-17
يا إخوة، إنّا نحن عاملون مع الله وانتم حَرْثُ الله وبناء الله. انا بحسب نعمة الله المعطاة لي كبنّاء حكيم وضعتُ الأساس وآخر يبني عليه. فلينظرْ كل واحد كيف يبني عليه، اذ لا يستطيع أحد أن يضع اساسا غير الموضوع وهو يسوع المسيح. فإن كان أحد يبني على هذا الأساس ذهبا او فضة او حجارة ثمينة او خشبا او حشيشا او تبنا، فإنّ عمل كل واحد سيكون بيّنا لأن يوم الرب سيُظهره لأنه يُعلَن بالنار وستمتحن النار عمل كل واحد ما هو. فمَن بقي عمله الذي بناه على الأساس فسينال أجرة. ومن احترق عمله فسيخسر وسيَخْلُص هو ولكن كمن يمرّ في النار. أما تعلمون انكم هيكل الله وان روح الله ساكن فيكم؟ من يُفسد هيكل الله يُفسده الله لأن هيكل الله مقدَّس وهو أنتم.



الإنجيل: متى 22:14-34
في ذلك الزمان اضطر يسوع تلاميذه ان يدخلوا السفينة ويسبقوه الى العبر حتى يصرف الجموع. ولما صرف الجموع صعد وحده الى الجبل ليصلّي. ولما كان المساء كان هناك وحده. وكانت السفينة في وسط البحر تكدّها الامواج لأن الريح كانت مضادة لها. وعند الهجعة الرابعة من الليل، مضى اليهم ماشيا على البحر. فلما رآه التلاميذ ماشيا على البحر، اضطربـوا وقالـوا انـه خيـال ومن الخـوف صرخوا. فلـلوقت كلّمهـم يسوع قائلا: ثقوا انا هو لا تخافوا. فأجابه بطرس قائلا: يا رب إن كنتَ انت هو فمرني ان آتي اليك علـى المياه. فقال: تعال. فنزل بطرس من السفينة ومشى على المياه آتيا الى يسوع. فلما رأى شدة الريح خاف، وإذ بدأ يغرق صاح قائلا: يا رب نجّني. وللوقت مدّ يسوع يده وأمسك به وقال له: يـا قـليل الايـمان لمـاذا شكـكتَ؟ ولمـا دخـلا السفـيـنـة سكنـتِ الريـح. فجاء الذيـن كانـوا في السفينة وسجدوا له قائلين: بالحقيقة انت ابن الله. 


في قراءتـنا العـهد الجـديـد، نـسمع الكثيـرين يـنادون الربّ يـسوع بـ"المعلّم". تـلاميـذه يفعلون، والنسوة اللواتي تبعنه، والكتبة، والفرّيسيّون، وبعض الناس، وجباة الضريبة المفروضة على اليهوديّ للإنفاق على الهيكل. والربّ نفسُهُ يسمّي نفسَهُ معلّم تلاميذه.


ما يجب أن نعرفه، أوّلاً، أنّ لفظة "المعلّم" هي صفة معروفة في وسط الشعب القديم. فلإسرائيل معلّموه. ولكنّ خصوصيّة يسوع معلّمًا تظهر في أنّ الناس قديمًا هم مَنْ كانوا يختارون معلّميهم.

أمّا الربّ، فهو مَنْ اختار تلاميذه (يوحنّا 16:15). وهذا، بسرعة، يعني أنّ يسوع هو المعلّم بالمطلق. إذا لا نستطيع أن نفاضل بينه وبين آخر.لم يكن يسوع مـعلّمًا بمعنى أنـّه مفسّر كتب. كان يـعرف الكتب ومعانـيها (لوقا 16:4-21). ولكنّه، إلى ذلـك، كان المعلّم الذي يـقول كلمته بـسلطان ذاتـيّ (متّى 29:7)، أي بـسلطان الله. كلّ معلّـمي الأرض يستـندون إلى تـعليم سبـقهم. يـدعمون أقوالهم بما قاله أشخـاص معتـبر فكرُهم في الدنـيا، أو، كما "الكتبة" في زمن السيّد، يـعتصمون، في تـعليمهم، بسلطة النصوص أو السنّة. أمّا يـسوع، فكان المعلّم الذي يـقول الحقّ الذي فيـه.
طبـعًا، لا يـعني هذا أنّ مَنْ نـادوه بـ"يا معلّم" كانوا جـميعهم يُـقرّون بـسلطانه الإلهيّ. بـعضهم فـعل، ولا سيّـما تـلاميذه ومَنْ كانوا معهم وإليهم. ولكن ثـمّة مَـنْ كانوا يدْعونه هكذا إمـّا بدافع التهذيب أو لكونـهم لا يـقرّون بـربـوبـيّته. ويسوع هو المعلّم بمعنى أنّه الربّ الذي يقول كلمة الله التي لا توازيـها كلمة، أو يناقشها عاقل.

إلى هذا، تعليم يسوع هو "روح وحياة" (يوحنّا 63:6). وهذا يعني شيئين. الأوّل، أنّ تعليمَهُ الروحُ القدسُ يُنعم، وحده، على المؤمنين بمعانيه المتجلّية في الربّ. والثاني، أنّ ما يقوله مآله حياة مَنْ يقرّرون، بحرّيّة تامّة، أن يربطوا مصيرهم بمصيره. لم يكن تعليم يسوع، ولن يكون، في متناول الإنسان بعيدًا من إرشاد روح الحقّ. ولم يكن، ولن يكون، مبحثًا فكريًّا مفصولاً عـن القلب، أي الحيـاة. "الكلمـة صار جـسدًا" يـجب أن تـعني، أيضًا، أنّ ما علّـمه يسوع هدفه أن يـصير سلوكًا راضيًا. ثمّة كثيـرون يـعرفون أقوالاً قالها يسوع، ولكنّهم لا يسلكون بموجب ما يعرفونه.
هؤلاء يـسوع ليس بمعلّمهم. يـسوع معلّم الذين فـهموا أن ليـس من فرق ما بـين التعليم القويم والحياة القويمة. لا يعني هذا أنّ هدف الحياة المسيحيّة أن يكون سلوك المؤمنين حسنًا، بل يوافق الكلمة التي قالها. المسيحيّة ليست مذهب أشخاص "آوادم". المسيحيـّة هي شخـص المعلّم حيًّا في قلوب أتـباعـه. ليس من مسيحيّ "آدميّ" لا يأتي من فم المعلّم.

ثمّ من الضروريّ أن نعرف أنّ ما فاه به المعلّم أودعه كنيسته. بهذا المعنى، الروح يرشدنا إلى معرفة حقّه، أي إلى الكنيسة التي هي "عمود الحقّ وركنه". ففي الكنيسة، نعرف أنّ الربّ هو المعلّم الوحيد الذي لا ينفكّ يعلّمنا، لنكون أشخاصًا ذوي نفع. بعيدًا منها، نحن رهن كسل شديد وتجاذب أفكار عتيقة لا صحّة فيها ولا حياة، أفكار هدفها أن تزيد في جعلنا مرميّين بعيدًا من خلاصنا. لا يعني هذا أنّ معاني الكلمة نقبلها، في الكنيسة، اجترارًا، لكنّه يساعدنا على أن لا نبني على أساس "غير الأساس الموضوع". المسيح هو المعلّم بمعنى أنّه قائد حياتنا الجديدة في كنيسة ليس مثلها شيء.ما زال المسيح هو المعلّم الذي يبحث عن تلاميذ له، ليتبعوه، ويجذب العالم إلى مملكة أبيه.


مع محبتي للجميع بالمسيح ربنا.آمين

كل عام و الجميع بألف خير
سامر يوسف الياس مصلح
بيت ساحور - 04-08-2012

ليست هناك تعليقات: