أرشيف المدونة الإلكترونية

الاثنين، 27 أغسطس 2012

عيد رقاد و إنتقال أمنا والدة الإله بالنفس و الجسد إلى السماء

إن العذراء هي ابنه يواكيم بن فاربافير من نسل داود من سبط يهوذا وأمها اسمها حنة ابنة مثاتان الكاهن من سبط لاوي وكان يواكيم وحنة قد مضى على زواجهما 50 عاماً ولم ينجبا أولادًا فبقدرة الله وبرضاه أرسل الملاك وبشر حنة النبية أنها تحبل بابنه أشرف من كل الخلائق وكان ذلك في اليوم التاسع عشر من شهر كانون أول من السنة السابعة عشر قبل الميلاد وفي اليوم الثامن من شهر أيلول من السنة السادسة عشر قبل الميلاد ولدت مريم البتول في القدس في المكان المدعو اليوم مدرسة القديسة حنة " الصلاحية " وسميت مريم " أي سيدة أو رجاء حسب تسمية الملاك، وكان والداها قد قدما نذرًا للرب أنهما إذا رزقا طفلاً أن يخدم الهيكل صبيًا كان أم صبيّة وفرح بها والداها فرحًا عظيمًا، ولما بلغت مريم عامها الثالث جاء بها والداها في 21/11/13 قبل الميلاد،فأدخلاها الهيكل لتخدم فيه وفاءً






لنذرهما فتقبلها زخريا الكاهن الأكبر فأدخلها إلى قدس الأقداس بإلهام الروح القدس إذ أنها يومًا ما ستصبح قدس أقداس للرب يسوع وهناك تثقفت العذراء في العهد القديم، وفي وقت إقامتها في الهيكل مات والداها. ولما بلغت أخذوا يتشاورون [ أي الكهنة ] كيف يتصرفون معها بدون أن يغضبوا الله، وقال القديس إيرونيموس: إن الكهنة لجأوا الى تابوت العهد بصلاة حارة، وطلبوا من الله أن يظهر لهم الرجل الأهل لأن يعهد إليه بالعذراء ليحفظ بتوليتها تحت مظهر الزواج فأمروا يومئذ بصوت من الرب بأن ينتخبوا اثني عشر رجلاً من قبيلة داود لا نساءَ لهم، أرامل ويضعوا عصيهم على المذبح ويسلموا العذراء لمن تزهر عصاه، وفعلوا ذلك وكانوا يصلون طول الليل قائلين أظهر يا رب الرجل المستحق للعذراء وفي الصباح دخل الكهنة مع الاثني عشر رجلاً فرأوا أن عصا يوسف قد أزهرت وكان هو أقرب إليها وكان عمره ثمانين سنة وكان له ستة أولاد من زوجته المتوفية (وهم يعقوب ويوسي وشمعون ويهوذا ومريم وسالومة)




ومضى يوسف مع مريم بعد الخطبة إلى مدينة الناصرة وبعد الخطبة بثلاثة أشهر وفي اليوم الخامس والعشرين من شهر آذار والعذراء تقرأ في سفر أشعياء النبي "ها إن العذراء تحبل وتلد ابنًا ويدعى اسمه عمانوئيل" كانت تتمنى أن ترى هذه الفتاة من تكون التي يصفها أشعياء وهي في هذه الأفكار حضر الملاك جبرائيل رسول الثالوث الأقدس يقول لها: "السلام عليك يا مريم يا ممتلئة نعمةً الرب معك مباركة أنتِ في النساء".




فلما اضطربت من كلامه قال لها: "لا تخافي يا مريم لأنك وجدت نعمة عند الله وها أنت تحبلين بالضابط الكل وستلدين طفلاً وتسمينه يسوع"، فأجابته العذراء: "كيف يكون ذلك لبنت عذراء لم تعرف زواجًا" فقال لها الملاك: "إن الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظلُلك وذلك القدوس المولود منك يدعى ابن الله وها أن نسيبتك أليصابات هي أيضًا حبلى بابنِِ في شيخوختها وها هو الشهر السادس لتلك المدعوة عاقرًا"، فأجابت العذراء: "ها أنا أمة للرب فليكن لي حسب قولك".




وإذ قالت مريم هذه الكلمة حلت كلمة الله في أحشائها الطاهرة فنظر الملاك إلى السماء فرأى الابن جالسًا في أحضان أبيه ثم نظر إلى العذراء فرآه أيضا داخل أحشائها النقية نظير الجنين فسجد مؤديًا الإكرام الواجب لوالدة الإله، ثم عاد إلى السماء مسرورًا، وبعد أن بدا الأمر غير خافيًا على يوسف الصديق، يقول القديس أثافاسيوس: إن يوسف كان يُعفِف البتول وكان حائرًا من عدم اضطرابها، وبعد ذلك أتاه الملاك قائلاً: يا يوسف ابن داؤد لا تخف أن تأخذ امرأتك مريم لأن المولود منها هو من الروح القدس، وبعد ذلك ذهبت مريم إلي الجبل إلي مدينة عين كارم ودخلت إلى بيت زخريا وسلمت على ألياصابات وعندها عرف الجنين "يوحنـا" الذي في بطن ألياصابات أن البتول هي أم المسيح المنتظر وسجد في بطن أمه وامتلأت ألياصابات من الروح القدس فصاحت بصوت عظيم وقالت: "مباركة أنت في النساء من أين لي هذا أن تأتي أم ربي إلي فطوبى للتي آمنت ما قيل لها من قبل الرب"، فقالت مريم: " تعظم نفسي للرب ".




وبقيت عندها ثلاثة أشهر ثم عادت إلي بيتها وفي تلك الأيام صدر أمر من القيصر الروماني بأن يكتتب كل المسكونة فانطلق الجميع ليكتبوا أسماءهم كل واحد في مدينته وذهب يوسف وخطيبته مريم من الناصرة إلي بيت لحم وكانت بيت لحم لم يعد فيها أي مسكن من كثرة الناس.


وبالكاد وجد يوسف مكانًا في مغارة البهائم وباتا فيها، وفي نفس الليلة ولدت مريم العذراء الطفل الإلهي، وفي تلك الناحية بشر الملائكة الرعاة بالفرح العظيم: " ولد لكم مخلص وهو المسيح الرب "، وبعد ذلك نرى العذراء في الهيكل بعد 40 يوماً ونرى العذراء عندما جاء المجوس وقدموا الهدايا ذهبًا ولبانًا ومرًا. وبإرشاد الملاك المرسل من الله ذهب يوسف مع الطفل وأمه إلى مصر وسكنت العذراء سنتين وستة أشهر في مصر وسكنت في نفس المنطقة التي ظهرت فيها العذراء في سنة 1967 في كنيسة الزيتون ودير المحرفة والمطرية.




وعندما مات هيرودس، وبإرشاد الملاك عادوا وسكنوا الناصرة وترافقه العذراء في أكثر عجائبه وتعاليمه فنراها مع يسوع عندما كان يعلم في الهيكل وفي أول عجيبة في عرس قانا الجليل، وآخر أيام المسيح على الأرض نرى




المسيح يسلم والدته إلى التلميذ الحبيب يوحنا، ونراها يوم القيامة مع المريمات، ويوم الصعود في جبل الطور، ويوم العنصرة في حلول الروح القدس مع التلاميذ، وكانت في القدس عزاءً للرسل في زمن الاضطهاد الذي قام به هيرودس. وكان يحضر إليها كثير من الذين كانوا يؤمنون، وكان لها أكبر الأثر في نفوس المؤمنين، وذهبت العذراء إلى جزيرة قبرص بدعوة من القديس ليعازر (الذي أقامه يسوع من بين الأموات) وذهبت في طريقها إلى جبل آثبوس أي "المقدس"، وكان الجبل كله أصنام وعباده أوثان وعند وصول العذراء الجبل تحطمت الأصنام لوحدها وبشرت العذراء بالمسيح واعتمد جميع السكان وسمي هذا الجبل بالجبل المقدس نسبة لزيارة العذراء الكلية القداسة له وما زال حتى اليوم يعج بالأديرة والكنائس والرهبان.




وأيضاً زارت أفسس حيث كان القديس يوحنا الحبيب ورجعت بعد ذلك إلي القدس ولما بلغت الستين من عمرها جاءها الملاك في اليوم الثاني عشر من شهر آب من السنة 44 ميلادية فبشرها أنها بعد ثلاثة أيام ستنتقل من دار الشقاء إلى دار الهناء والبقاء، ففرحت فرحًا عظيمًا وَصلت شاكرةً لله، وطلبت أن ترى أولادها الروحانيين أي الرسل الأطهار الذين كانوا متفرقين في أقٌطار العالم فإذا بالسحب تخطفهم في اليوم الخامس عشر من شهر آب وتجمعهم لدى الأم البتول ففرحت بهم وأخبرتهم سبب حضورهم العجيب وعزتهم على حزنهم، وأن الدنيا كلها إلى زوال وَصلت من أجل سلام العالم، واضطجعت كما أرادت وأسلمت روحها إلى ابنها.


أما الرسل حملوا السرير بموكب جنائزي مهيب إلى القبر الذي في قرية الجسمانية وإن أحد اليهود من عشيرة الكهنة واسمه أثاناس مد يده إلى النعش يريد أن يقلبه فإذا بسيف يقطع يديه الأثيمتين، فخاف اليهود جدًا، وآمن قوم كثير منهم. وبعد أن وضعوا جسد العذراء في القبر كان الرسل يتناوبون حوله سجدًا يرتلون التسبيح مدة أسبوع.

وذكر أن الرسول توما لم يكن حاضرًا رقاد العذراء، وحضر بعد ثلاثة أيام وكان في الهند أصر أن ينظر محيّا والدة الإله ويبترك منه ويودعه مثل باقي الرسل فلما رفع الحجر عن باب القبر لم يجدوا الجسد بل كان الضريح فارغًا والأكفان وحدها، فآمنوا أن العذراء انتقلت بالنفس والجسد إلى ملكوت السماوات، وعندما كانوا يصلون على المائدة المقدسة عند استحالة القربان إذ بالعذراء تقف بجسمها الطاهر بسحابة منيرة وملائكة المجد حولها فقالت: "السلام لكم، افرحوا لأني معكم كل الأيام"، فهتف الرسل بصوتٍ واحد : "أيتها الفائق قدسها والدة الإله خلصينا".

بتولية العذراء: إن الكنائس المسيحية بأجمعها تعتقد بدوام بتولية العذراء ولإظهار الحقيقة نقول:



1- إن كلمة حتى تدل على الاستمرار وهي حسب أفضلية النحاة تدخل ما بعدها في حكم ما قبلها: فإن كان ما قبلها مثبتًا كان ما بعدها مثبتًا، وإن كان منفيًّا كان ما بعدها منفيًّا، مثلاً ذكر في سفر تكوين 7:8 " ولم يرجع الغراب حتى نشف الماء عن وجه الأرض" هنا ما قبل كلمة حتى منفيًّا لم يرجع إذن ما بعدها منفيًّا لأن الغراب لم يرجع أبداً.
2- قال المخلص: "هـا أنا معكم كل الأيام حتى انقضاء الدهر" (متى 20:28)، هنا قبل كلمة حتى مثبتًا إذن ما بعدها أيضا مثبتًا أنا معكم مثبتًا، ونحن لم ننفصل عن المسيح أبدًا لا في هذا الدهر ولا في الحياة الخالدة بل نكون معه بأوفر كمالا.ً

3- يقول في صموئيل الثاني 22:6 " لميكال ابنة شاول لم يكن لها ولد حتى يوم موتها" هنا ما قبلها منفيًّا لم يكن لها ولدُُ إذن ما بعدها منفيًّا، وهل يمكن أن تلد بعد الموت!
ثانيًا: إن البكر في الكتاب المقدس المولود الأول عن وحيدٍ أو بين إخوة كما يتضح من أمر الرب بأن يكرس له بكر حيث يقصد بالأبكار المولودين أولاً أو الوحيدين. ويقول في أشعياء " أنا الإله الأول" أشعياء 6:44 فهل من إله ثانٍ أو ثالث!

ثالثًا:


أما إخوة المسيح فهم أبناء يوسف من امرأته الأولى أو أبناء كلاويا من امرأته ابنة خالة العذراء لأن الأقارب في الكتاب المقدس يدعون إخوة إبراهيم ولوط ابن أخيه يدعان أخوات تكوين 8:13 وكذلك لأبان ويعقوب إن أخته رفقه كانا يدعون أخوات تكوين 15:29، وفضلاً عن ذلك فهل يعقل أن تكون أمًا لبشر بعد أن وسعت في أحشائها إله الكل! وقد دعاها الكتاب المقدس امرأة ليوسف لكي لا يشتبه في أمر حبلها وأما بعد الولادة نرى أن الكتاب المقدس يدعوها "أم الصبي" متى 13:2 ولوقا 43:2. وقد دعا يسوع العذراء " بامرأة" (يوحنا4:2 ويوحنا 26:19) لتكريمها وتعظيمها لأن كلمة امرأة يومئذ كانت اصطلاحًا في اللغة للدلالة على الاحترام والعطف، ويؤخذ من الآداب اليونانية القديمة أن السيدات ذوات المجد الرفيع كن يخاطبن بهذا اللفظ.
فبشفاعة العذراء مريم الكلية القداسة يا رب ارحمنا وخلصنا آميـن




يرتبط معنى عيد رقاد والدة الإله بما يقوله المزمور ويؤكد عليه آباء الكنيسة: ” جعلت الملكة عن يمينك بذهب اوفير” (مز9:45)، وفيه نحتفل بحدثين أولهما موت ودفن العذراء والثاني انتقال جسدها للسماء، ويسيطر هذان الحدثان على تسبيح وصلوات العيد.

تكرم الكنيسة الأرثوذكسية في العالم بشكل خاص والدة الإله وهذا التكريم يعود أصوله أو جذوره لفترة الرسل من تاريخ الكنيسة وشهدوا بذلك من خلال الأناجيل المقدسة ومنهم الإنجيلي لوقا: “فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تُطوّبُني” (لو48:1)، ويعتبر هذا التطويب شهادة على تكريم شخص والدة الإله من العصر الرسولي.
بسبب تكريم شخص والدة الإله ظهرت أعياد كثيرة ومختلفة، متعلقة بها: مولد والدة الإله، دخولها للهيكل، البشارة، الرقاد. أما عيد الرقاد فقد بدأ التعييد به منذ القرن الخامس أما الذي حدد يوم 15 آب للعيد هو الإمبراطور مافريكو نهاية القرن السادس، ذُكر العيد لأول مرة في كلمة لكاتب مجهول حول إنجيل يوحنا والذي كُتب بين بداية ونهاية القرن الخامس، أي 400-500 م، ويحتوي النص على الأفكار اللاهوتية للكنيسة حول والدة الإله بحسب التقليد، وبالإضافة لهذا النص يوجد نصوص أخرى تتحدث عن العيد وأهمها النص المنحول ليوحنا حيث يشكل المصدر الأساسي لتراتيل العيد وللأحداث التي تدور في أيقونة الرقاد.



حافظ الإنجيلي لوقا على تعظيم لوالدة الإله وذلك عندما رفعت امرأة صوتها من الجمع وقالت للمسيح عندما سمعته يعلّم ويتكلم: “طوبى للبطن الذي حملك والثديين الذين رضعتهما” (لو28:11). يمكن أن تكون هذه التطويبة من كل امرأة أو رجل لا بل هي تعظيمة من الكنيسة ككل، وتمثل هذه المرأة كل الكنيسة بقولها للتطويبة والكنيسة تعظّم مريم لأنها ولدت المسيح.




كان بإمكان المسيح أن يَخلق لنفسه جسداً كما فعل عند خلق العالم ولكنه فضّل أن يتكوّن هذا الجسد داخل أحشاء مريم العذراء، وكي يتم هذا يجب أن يختار الله أحشاء نقية، يقول نيقولاوس كابسيلاس أن الله اختارها، كي يأخذ جسداً، لأنها ستصلح ما قد خرّبه آدم وحواء، أي أن مريم العذراء قادت الطبيعة البشرية نحو الخلاص وإمكانية الكمال على حين آدم وحواء قادوها للسقوط والخطيئة. فباتت مريم هي المكان والأداة لولادة جسد المسيح أي لآدم جديد.



تكرم الكنيسة عيد رقاد السيدة، أي الموت الطبيعي، وتسمّيه انتقال العذراء إلى السموات. وهو موضوع كان مجال كبير للنقاش والحوار ولكنه منطقي لسببين: الأول وهو العلاقة الطبيعية بين والدة الإله وابنها الإله المتجسد وثانياً قيامة يسوع المسيح، لذلك وبحسب الكتب المنحولة عن الرقاد فقد خرج من جسد العذراء وحتى من قبرها في الجسمانية رائحة طيب زكي، ولثلاثة أيام بعد رقادها، وذلك قبل انتقالها بالجسد إلى السموات، سمّت الكنيسة هذا الانتقال بقيامة والدة الإله ومنها كل البشرية.

أصبح المسيح بقيامته من بين الأموات ووفق القديس بولس الرسول: “بكرٌ من الأموات” (كو18:1)، في حين ستكون قيامة البشرية في المجيء الثاني، عندما سيظهر المسيح ثانية، أما موت وانتقال والدة الإله إلى السموات بحسب مجريات الأحداث عند انتقالها: أي حضور المسيح والملائكة والرسل القديسين، بمعنى آخر الكنيسة، ليس إلا صورة عن يوم الدينونة.

لدينا، في النص المنحول ليوحنا عن رقاد السيدة، وجهة نظر لاهوتية عن والدة الإله وذلك بكونها وسيطة بين البشر وابنها يسوع المسيح، لذلك مبررٌ أن تُكرِّم الكنيسة والدة الإله بطريقة أسمى من الشيروبيم والسيرافيم وليس فقط أسمى من كل البشر، وكذلك نحن نكرّم والدة الإله ونحترم عيد رقادها بشكل كبير لأن يوم رقادها وانتقالها إلى السموات يشكّل تأكيد على إمكانية دخولنا إلى ملكوت الله وذلك بنعمة الله وبشفاعتها وحمايتها وجهادنا الشخصي.

أصبحت مريم العذراء والدة الإله لأن في أحشائها ولد يسوع المسيح بالطبيعة البشرية بحلول الروح القدس عليها، وهي أيضاً أُمُّنا جميعاً لأننا عندما نتناول جسد المسيح ودمه نصبح إخوة للمسيح وبالتالي تصبح العذراء أُمَّنا، وكأم لنا تحمينا من كل الشدائد عندما ندعو اسمها المقدس في الشفاعة.




ماذا يقول التقليد الكنسي عن العيد ؟
لم يذكر لنا الانجيل شيئا عن رقاد والدة الاله كما انه لم يسلط الضوء على تفاصيل حياتها ايضا أنما ما يذكره القديس يوحنا الدمشقي في اوائل القرن الثامن في عظته الشهيرة حول رقاد السيدة العذراء كاف لتثبيت التراث الشفهي الذي شاع في الكنيسة منذ قرون الاولى ونقل الينا في مخطوطات بعنوان " كتاب يوحنا اللاهوتي حول رقاد والدة الاله الكلية القداسة " .




وقد وجدت نسخ من هذه المخطوطات باللغات اليونانية والسريانية والعربية , وكلها تعود الى اوائل القرن الرابع للميلاد . اما الدمشقي الذي اشتهر بكتاباته المريمية فأكد لنا ان المسيح بنفسه قد حضر الى مضجع والدته المحاط بالرسل الذين استقدموا بالروح من اقاصي الارض حيث كانوا يركزون ليلبسها حلة عدم الفساد . التقليد الكنسي يروي لنا انه حين كان الرسل رافعين النعش الذي كانت عليه مريم مضطجعة حاملين اياه الى القبر واذ كانت الملائكة تشاركهم الترتيل من السماء تجاسر احد المارة ان يمد يديه بوقاحة على النعش وفي الحال نال من القضاء الالهي ما استوجبته وقاحته من القصاص فقطعت يده بضربة قوية ! ( على بعض الايقونات يظهر ملاك مستلاً سيفاً يقطع يد المتطفل )


يقول التقليد الشفوي ايضاً ان الرسل بعد العنصرة اخذوا يجتمعون معا بانتضام واذ اتكاوا للغداء بعد الصلاة كانوا يتركون ما بينهم موضعاً خالياً ويضعون على الوسادة قطعة من الخبز الذي يأكلونه يدعونها جزء الرب . واذا نهضوا بعد الغداء وصلوا وشكروا يأخذون تلك القطعة فيرفعونها قائلين " المجد لك يا الهنا المجد لك , المجد للاب والابن والروح القدس " وكانوا يرددون المسيح قام لفترة تترواح بين الفصح والصعود . اما من بعد الصعود فكانوا يهتفون " عظيم اسم الثالوث القدوس ايها الرب المسيح اعنا " وهكذا حتى افترقوا للكرازة .


ولكي يبقى هذا التقليد حيا هكذا كان يفعل كل من الرسل حيثما وجد , الى ان اجتمعوا مقبلين بالسحب ليحضروا احتضار السيدة الذي لم يكن في الواقع الا انتقالاً اما في اليوم الثالث من دفنها واذ الرسل مجتمعين كعادتهم وفيما هم يرفعون جزء الرب قائلين " عجيب اسم ... " توقفوا وانذهلوا ! اذ يا له من عجب مستغرب السماء فتحت وظهرت العذراء بجسمها الطاهر ملتحفة بسحابة من النور وملائكة ظهروا متسربلين بالنور محيطين بها في الجو فقالت " السلام لكم افرحوا معي مدى الايام ... " فاندهش الرسل وهتفوا قائلين عوض " ايها الرب يسوع المسيح اعنا " " يا والده الاله الكلية القداسة اعينينا " حينئذ ذهبوا الى القبر واذ لم يجدوا جسدها تيقنوا من حقيقة قيامتها من بين الاموات حية بجسدها نظير ابنها منطلقة الى السماوات .
قد يتخيل للبعض ان هذه الرواية خيالية بعيدة كل البعد عن الحقيقة والموضوعية ولكن من يقرأ الانجيل بايمان ويعجب بآياته لا يستغرب تقليداً كهذا بل هو تتمة منطقية لحياة الكلية القداسة وتتويج طبيعي لحياة طاهرة كحياة مريم التي اتخذ السيد جسدا من جسدها . أليس هو القائل " من امن بي وان مات فسيحيا " فكيف بالحرى من جسدت الايمان بشخصها وحوت باحشائها سيد العالم وخالقه ؟....



القديس يوحنا الدمشقي يهتف بلغه الايمان في عظته الشهيرة حول رقاد مريم :" اليوم تعبر من الارض الى السماء تلك السلم التي نزل عليها العلي ( وهنا يشير الى سلم يعقوب في حلمه كما ورد في كتاب التكوين )...
" هذا القبر اقدس من قدس الاقداس حيث لا حوى لا الظلال والرموز بل الحقيقة عينها ... ارفع نظرك يا شعب الله وشاهد خيمه اله الصباووت في الجثمانيه وقد حضر الرسل اليها ودفنوا الجسد مبدا الحياه الذي كان قد حوى ابن الله ..."


ايقونه رقاد والده الاله او انتقالها " ايها الرسل اجتمعوا من الاقطار الى هنا في قرية الجسمانية واضجعوا جسدي وانت تقبل روحي يا ابني والهي "


هذه الترتيلة صورة عن الخطوط العريضة التي اتبعها رسامو الايقونات لرسم ايقونة الرقاد . هناك في دير القديسة كاترينا في صحراء سيناء (25سم*38سم) رائعة من حيث الفن التصويري يعود تاليفها الى القرن الثاني عشر , واضحة جداً في تصميمها الذي لا يتغير في كافة انحاء البلدان الارثوذكسية. وكلنا نعلم ان لأيقونات هذا الدير قيمة منفردة اذ لم تتأثر بموجة الفتك بالايقونات التي سادت في القرن الثامن . المشهد هو نفسه في كل الايقونات التي تودي




معنى الانتقال :


العذراء مريم منطرحة على الفراش الموت جسدها منطو افقيا وكانه يكاد ينقلب لتوازنه غير الثابت ...
وهذا يفسر بسبب عدم وجود العمق في فن الايقونات , كل شئ يرسم سطحيا اذ لا وجود لبعد ثالث كما في اللوحات العادية فجسد مريم منحن عاكف على الناظر بكثير من الرقة اما المسيح فهو منتصب في وسط الايقونة جسده في اكثر الاحيان محاط بهالة بهية من النور الازلي يحمل مريم في يديه مقمطة بلفائف كطفل صغير وكانها تولد من السماء على يدي ولدها وسيدها . من ينظر الى الايقونة من بعيد يتراءى له الخطان اللذان يؤلفان مريم ويسوع وكانهما خطا صليب السيد :فالصليب منصب ابدا في حياة الكنيسة .




اما الرسل فيحيطون بجسد مريم بشكل نصف دائره نلمح بوضوح اربعة منهم : " بطرس منحن فوق رأس مريم وعلائم الحزن والتأمل ظاهرة على وجهه , بولس منعكفا عند قدميها منذهل , يوحنا التلميذ الحبيب يقبل نعشها بحزن عميق , واما اندراوس فهو واقف وراء بطرس " يوجد عادة أساقفة في اللوحة يتميزون بلباسهم الكنسي . أما الملائكة فيشتركون بفرح بهذا المشهد الحزين فيضفون عليه علائم السموات .



اما روسيا في القرون الوسطى عندما كانت مدينة كييف عاصمتها فكانت تعتبر عيد رقاد السيدة عيداً وطنياً وتضع نفسها تحت شفاعة العذراء مريم وحمايتها ازاء الغزوات الخارجيه ولذلك اشتهر الفن الروسي في اداء لوحات رقاد العذراء كما تميزت مدينه نوفغورود برساميها فكان التاليف نيرا ساطعا .


معنى العيد ان نشأة هذا العيد غامضة في العالم المسيحي ففي فلسطين كان يقام العيد في 15آب ما قبل القرن السادس أما في مصر فكان يقام في 18كانون الثاني وقد انتقل هذا التاريخ من مصر الى بلاد غالية في القرن الرابع اما في القرن السابع فقد ثبت الامبراطور البيزنطي موريس تاريخ 15آب بطريقه نهائيه . انه من اهم الاعياد الكنسية وتحضر الكنيسة المومنين له بصوم يدوم اربعة عشر يوماً , وهو من اهم الاعياد السيدية . القراءات التي تتلى فيه هي نفسها التي تتلى في ميلاد السيدة ولا تنوه قطعاً عن رقاد السيدة .


اما المعنى الروحي للعيد فيتجلى في تراتيل صلاه الغروب والسحريه ولكن في الواقه هناك عده معان من الصلوات المختصه بالرقاد:



المعنى الاول :


" ان ينبوع الحياة الحية قد وضعت في قبر – واصبح ضريحها سلم السماء " يشير اول شطر من العباره ان الكنيسة تعيد ذكر رقاد والده الاله بالجسد وانتقال نفسها الى السموات : " ان القوات الملائكية انذهلوا لما شاهدوا سيدهم ضابطا نفسا انسانية " مع العلم اننا لا نعلم يقينا لا متى ولا اين توفيت مريم . المعلومات كلها ابو كريفيه . يوجد منذ القدم تقليدان حسب الاول تكون مريم قد توفيت في اورشليم ودفنت في الجثمانيه واما التقليد الثاني فيقول انها ماتت في مدينه افسس . ولكن هذا العيد يتجاوز في معناه الرقاد الجسدي فالقسم الثاني من العباره يسلط الاضواء على معنى روحي اعمق : ضريحها يصبح سلما للسموات , " افتحوا الابواب .. استعدوا لاستقبال ام النور الذي لا يغرب .. لان في هذا اليوم تفتح السماء حشاها لتستقبلها ".


المعنى الثاني :


العيد ليس فقط احتفالا بولادة مريم في السماء كما تشير اليه الايقونة بل عيد انتقال مريم بالجسد الى السماء والنصوص التي تشير الى ذلك عديدة في طقوسنا " ان والدة الاله التي لا تغفل في الشفاعات ... لم يضبطها قبر ولا موت " ... " لانك انتقلت الى الحياة بما انك ام الحياة " ... وبالتالي جسد مريم الكلي الطهر لم يعرف الفساد الناتج عن الموت وتفككه بل نقل بواسطة الملائكة الى السماء .



اما الكنيسة فلم تفرض هذا التعليم على المومنين كعقيدة ولكن ضمير الكنيسة الحي عبر الاجيال يعتبر نفي انتقال السيدة الى السماء كتجديف اكيد . مريم هي تلك المخلوقة المنفردة في النقاوة والطهارة الجليلة في سر صمتها , المتسامية في عمق آلامها , التي تجاوزت حدود الطبيعة وطارت الى اقرب حد يستطيع ان يصل اليه انسان فتعالت عن الملائكة وتألهت بتواضعها ولذلك مجدها ابنها بجسدها ونقله اليه . وهكذا تعيد الكنيسة بمريم اول قيامة قبل القيامة العامة .


المعنى الثالث :


" الموت صار عربونا للحياة ... " العيد هو عيد كل الطبيعة الانسانية لان مريم توصلت الجبلة الترابية النتنة الى هدفها الاسمى وسمح لها بالرجاء ... رقاد العذراء يمثل لنا المجد الذي يمكن ان نصير اليه اذا ما اثمرت النعمه فينا بفعل الروح القدس . ومهما يكن من شان الحدث التاريخي فالمهم بالنسبة الينا ان الكنيسة تركز في قراءاتها على المعنى الروحي للحدث الروحي وقد اوجزه لنا بولس الرسول في رسالته الاولى الى اهل كورنثوس : " كما لبسنا صورة الترابي سنلبس ايضا صورة السماوي ... اذا نحن ايضا سنتغير " ( 1كورنثوس 49:15 و52) .




لا شك ان لمريم وضعاً خاصاً وامتيازات خاصة ولكن لنا شفيعة اذا لم تهملنا برقادها ممهده لنا الطريق الى السماء واضعة نصب اعيننا امكانات الطبيعة الانسانية الكامنة في طياتها المنتظرة ندى الروح القدس لكي تنفتح وتتدفق حياة وقداسة .




مع محبتي للجميع بالمسيح ربنا آمين
كل عام و الجميع بألف خير
سامر يوسف الياس مصلح
بيت ساحور - 28-08-2012

ليست هناك تعليقات: