أرشيف المدونة الإلكترونية

السبت، 28 يوليو 2012

الأحد الثامن بعد العنصرة

طلب بولس الى أهل كورنثوس (في اليونان) باسم الرب يسوع ان يقولوا كلّهم قولا واحدًا، وهو يطلب ذلك باسم ربّنا لا باسمه الخاص، ولا يحق لمسؤول في الكنيسة أن يتكلّم باسمه الخاص لكونه وكيلا للمسيح ومؤتمنا على إنجيله.

كنيسة كورنثوس أسسها بولس بعد أن فشلت بشارته في أثينا. ويذكر كتاب أعمال الرسل (الإصحاح 18) مَن اهتدى في هذه المدينة. ثم سافر بعدها بولس في البحر الى سوريا.
أن تقولوا قولا واحدا وأن يكون عندكم فكر واحد ورأي واحد لأن المسيح واحد وعنده تعليم واحد. وانزعج بولس بإخباره من خدام امرأة تُدعى خلوي ان بينهم خصومات تظهر كأحزاب ضمن الكنيسة فيقول واحد »أنه لبولس وآخر لأبُلوس والثالث انه للمسيح«. أبلوس اسكندري الجنس، فصيح مقتدر في الكتب (اي في العهد القديم)، والاسكندرية كان فيها يهود كثيرون، واهتدى عن يد أكيلا وزوجته برسكلا اللذين كانا تلميذين لبولس.

انقسام كهذا يحصل مرات في الكنيسة فيتحزّب بعض من المؤمنين لإكليركيّ وبعض لإكليركيّ آخر يعمل معه ويقارنون بين حسنات هذا وحسنات ذاك، ولكن يصل هذا الانقسام الى حدة تنشئ أحزابا دينيّة في الطائفة الواحدة.


امام هذا التوتر، قال الرسول لأهل كورنثوس: هذا لا ينبغي ان يكون، ويبعد نفسه عن الحزبيّة قائلا: »ألعلّ بولس صُلب لأجلكم او باسم بولس اعتمدتم«. ويوضح انه لم يعمّد أحدًا »لئلا يقول احد انّي عمّدت باسمي«. يقبل بولس ان يكون له تلاميذ، والمعمودية نتيجة التلمذة. غير انه يؤكّد ان المسيح لم يرسله ليعمّد بل ليبشّر، وترك المعمودية في كورنثوس وغيرها للأساقفة او القسس الذين عيّنهم، وحصر مهمته بالتبشير.

في تطوّر الكنيسة اجتمع التعميد وسائر الأسرار والتبشير بالكهنة ولكن باسم المسيح، ثم صارت العمادة باسم الثالوث الأقدس كما هي اليوم. ولما تكلّم عن بشارته قال انها ليست »بحكمة كلام لئلا يُبطل صليب المسيح«، وأراد في هذا الموضع وغيره انه لا يستعمل البلاغة ولكن يتكلّم ببساطة على سرّ الصلب والقيامة. وما أراد بولس ان ينجذب المؤمنون عن طريق الفلسفة ولا الفصاحة التي من الدنيا، ولكن عن طريق قبولهم لصلب السيّد وقيامته.

اما بعد ان اهتدينا فلا مانع ان يكون الواعظ في القداس بليغًا او فصيحًا. في اعتقادي أن هذا لا يؤثّر كثيرا، وما يؤثّر في المؤمنين حرارة الواعظ وتبيان إيمانه بما يقول. فالفصاحة قد تكون فارغة، واما الايمان فهو حضور يسوع في الواعظ او المعلّم. ولكن لا يستطيع الكاهن ان يهمل الوعظ. انه موهبة.

غير ان الموهبة تنمو بالتروّض. وقد فرضت المجامع على الكاهن أن يعظ في كل خدمة إلهيّة يقيمها ولا سيّما ان العظة كلام يصل من القلب الى القلب.

الرسالة: 1 كورنثوس10:1-17
يا إخوة أطلب اليكم باسم ربّنا يسوع المسيح ان تقـولوا جميعكـم قولا واحدًا وأن لا يكون بينكم شقاقاتٌ بل تكونوا مكتملين بفكرٍ واحدٍ ورأيٍ واحد. فقد أخبرني عنكم يا إخوتي أهل خُلُوي أنّ بينكم خصومات، أعني أنّ كلّ واحد منكم يقول انا لبـولس او انا لأبلّوس او انا للمسيح. ألعلّ المسيحَ قد تجزّأ. ألعلّ بولس صُلِب لأجلكم او باسم بولس اعتمدتم. اشكر الله انّي لم أعمّد منكم احدًا سوى كرسبس وغايوس لئلا يقول أحدٌ إنّي عمّدت باسمي، وعمّدت ايضًا أهل بيت استفاناس، وما عدا ذلك فلا أعلم هل عمّدت أحدًا غيرهم لأنّ المسيح لم يُرسلني لأعمّد بل لأبشّر لا بحكمة كلامٍ لئلا يُبطَل صليب المسيح.

الإنجيل: متى 14:14-22

في ذلك الزمان أبـصر يـسوع جـمعًا كثيـرًا فتحنّـن عليـهم وأبـرأ مرضاهم. ولمّا كان المساء، دنا اليـه تـلاميذه وقالوا: إنّ المكان قفرٌ، والساعة قد فاتت فاصرف الجموع ليـذهبـوا الى القرى ويـبتاعـوا لهم طعامًا. فقال لهم يسوع: لا حاجة لهم الى الذهاب، أعطوهم انـتم ليـأكلوا. فقالوا له ما عندنا هـهنا الا خـمسة أرغـفة وسمكتـان. فقال لهم: هلمّ بها اليّ الى ههنا. وأمر بجلوس الجموع على العشب. ثـم أخذ الخمسة الأرغفـة والسمكتين ونـظر الى السماء وبـارك وكسر وأعطى الأرغـفة لتـلاميذه والتـلاميذ للجموع. فأكـلوا جميعهم وشبـعوا ورفعوا ما فضُل من الكِسَر اثـنـتي عشرة قـفّةً مملوءةً. وكان الآكلون خمسة آلاف رجلٍ سوى النساء والصبيان. وللوقت اضطرّ يسوع تلاميذه ان يدخلوا السفينة ويسبقوه الى العَبْرِ حتى يصرف الجموع.
قد ينطبع لقاء حول وجبة فقيرة بذكرى صداقة عذبة، وقد يخرّب لقاء حول وجبة غنية هذه الصداقة إذا كانت روح هذا اللقاء سلبية. ليست مشاركة في الطعام مجرّد طعام وشراب، بل مناسبة اجتماعية. فعندما يتشارك الناس الطعام، تكون عندهم الفرصة ليتشارك الواحد مع الآخر في حياته وأفكاره، لينموا سوية في محبة وتقدير مشترك.

عرف الرب يسوع أن الوجبات المشتركة إنما هي فرصة تسهّل للناس معرفة بعضهم بعضاً بشكل أفضل، وتساعدهم على المشاركة في بشارة محبة الله وغفرانه. لقد بادر من ذاته إلى زيارة بيت زكا وتعشى فيه وملأه بالفرح (لو19/1-10). كما أنّ دعوة متى أدّت إلى وجبة احتفالية في بيته، حيث اجتمع يسوع وتلاميذه بجباة ضرائب ومنبوذين حول طاولة واحدة، مما أفزع الفريسيين ( مت9/9-11). واستخدم يسوع صورة المائدة ليصوّر ملكوت الله، فشبّهه بوليمة (مت14/15-24).

 

إحدى الوجبات التي أقامها يسوع خارج البيوت، كانت إطعامه جمعاً غفيراً من الرجال والنساء والأطفال الذين تبعوه ليسمعوا تعاليمه. وقد سجلت لنا الأناجيل الأربعة حادثة تكثير الخبز هذه (مت14/13-21، مر6/30-44، لو9/10-17، يو6/1-14). عند قراءة هذه العجيبة يبدو أولاً لطف فعل يسوع في اهتمامه بإشباع الجموع الجائعة. إن صورة يسوع وهو يطعم الحشود التي حوله هي صورة الماسيّا الذي يطعم شعبه. عندما نجا الشعب العبراني، في العهد القديم، من مصر وواجه مجاعة قاسية في برية سيناء، أرسل الله المّن لكي يُشبع شعبه (خر16/4-16)، وأما في أيام يسوع فلم يقيت شعبه بالخبز فقط بل بالحق الذي تحمله تعاليمه أيضاً.

إن المعنى الروحي لإطعام الخمسة آلاف يوضحه إنجيل يوحنا بجلاء أكثر. نقرأ في الفصل السادس من هذا الإنجيل أن الجموع فهمت هذه العجيبة كآية مسيانية، وبعض الحاضرين حاولوا أن يعلنوا يسوع ملكاً بالقوة، لكنه هرب منهم (يو6/14-15). لم يقبل أن يكون لعبة في أيديهم ويشجّع أفكارهم السياسية حول الماسيّا المنتظر. وفي العظة الكبيرة التي تلي العجيبة (يو6/22-65)، وبّخ يسوع الشعب على لحاقهم إياه ليحصلوا على خبز أكثر فقط، ودعاهم ليفهموا المعنى الحقيقي للعجيبة وتاليا ليطلبوا الحياة الأبدية (يو6/26-27)، ولكن ما هو هذا الخبز؟ يجيب يسوع بالكلمات الأساسية التالية:

 

" أنا خبز الحياة. آباؤكم أكلوا المن في البرية وماتوا.
هذا هو الخبز النازل من السماء لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت.
أنا الخبز الحي الذي نزل من السماء. إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد
والخبز الذي أنا أعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم " (يو6/48-51).

 

شرح آباء الكنيسة معجزة إطعام الخمسة آلاف، كصورة انتظارية للأفخارستيا حيث يقدم المسيح نفسه لنا كخبز سماوي. الأفخارستيا، كتواصل للعشاء الأخير، هي وجبة سرية نشترك بها مع المسيح ومع بعضنا البعض. ففي الأفخارستيا نتحد بالرب وببعضنا البعض. يتكلم إنجيل يوحنا عن هذه العلاقة المتينة حينما يلِّمح المسيح بوضوح إلى سر الأفخارستيا:

"الحق الحق أقول لكم إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم، من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير. لأن جسدي مأكل حق ودمي مشرب حق. من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيّ وأنا فيه" (يو6/53-56).

تحتفل الكنيسة الأرثوذكسية بمعجزة تكثير الأرغفة بطريقة أخرى أيضاً. هناك خدمة ليتورجية اسمها خدمة " تبريك الخبزات" (أرتوكلاسيا). ترتبط هذه الصلاة (الخدمة) عادة بصلاة الغروب في الأعياد السيديّة وأعياد القديسين. تبارك الكنيسة خبزات خمس ومن ثم توزع على المؤمنين الحاضرين. متذكرين إطعام يسوع للجمع، نواصل الاحتفال بمعجزة مشاركة الفرح والوحدة بين الذين يؤمنون بالمسيح ويبتهجون به. خدمة تبريك الخبزات هي وسيلة روحية أيضاً لنصل إلى الآخرين ولنشارك أرزاقنا مع الفقراء والمحتاجين. ففي نهايتها نرتل ترتيلة تقول: "الأغنياء افتقروا وجاعوا أما الذين يبتغون الرب فلا يعوزهم أي خير". الطعام والشراب والثروة والفقر تأخذ معنىً جديداً في ضوء مشاركتنا الحياة والوحدة في المسيح.

اقرأ متى 14/14-22 القراءة الإنجيلية المخصصة للأحد الثامن من متى:
1- كيف ظهر اهتمام يسوع بالجمع الغفير الذي يلحقه (آية 14)؟
2- ما هي برأيك الأسباب التي جعلت الناس ينشدّوا إلى يسوع؟
3- ماذا فعل يسوع بعد أن أخذ الأرغفة والسمك (آية 19)؟
4- ما المغزى الذي تراه في إعطاء يسوع الأرغفة لتلاميذه أولاً ومن ثم التلاميذ 
    أعطوها للجموع (آية 19)؟
5- ما الخطوات التي تستطيع أن تحسّن بها جو تناول الطعام مع عائلتك؟
6- متى تشعر أنك تغذيت بالليتورجيا؟ ما بمقدورك أن تفعل لتقوي تأثير الليتورجيا على
    ذاتك وعلى أخوتك في الرعية؟
7- ماذا تستطيع أن تفعل في رعيتك لتتذوق خبرة حقيقية للمشاركة والوحدة والوصول 
    إلى المحتاجين، بعد إقامة خدمة تبريك الخبزات الخمس .

عشاء الرب هو مناولة أسرارية بها يحقق الروح القدس فينا وحدة شخصية وحقيقية بالمسيح القائم والحي. لم يحاول آباء الكنيسة أبداً أن يحللوا كيفية حضور المسيح تماماً بالتقدمات المقدسة (الخبز والخمر) بل أكدوا بقوة أنه حاضر تماماً. لقد اتخذوا كلامه "هذا هو جسدي" و "هذا هو دمي" ( مت26/26-28، مر14/22-24)، كما هو بدون أي زيادة شيء أو إنقاص شيء. نحن نأخذ المسيح بملء حضوره الشخصي في المناولة المقدسة. أما تحوّل الخبز والخمر إلى جسد المسيح ودمه بواسطة الروح القدس فهو أمر أسراري وسريّ لا مادّي لأن بعد التقديس ما نزال نتذوق نوعية طعم الخبز والخمر العادي. لذلك فالمناولة المقدسة سر روحي عظيم، طعام وشراب أسراريان، حقاً إنها عشاء روحاني به نشارك المسيح القائم وبشريته الممجدة. إنها اتحاد إلهي ينقّينا ويمجّدنا بالنعمة .

مع محبتي بالمسيح ربنا آمين.
كل عام و انتم بألف خير
سامر يوسف الياس مصلح
بيت ساحور - 29-07-2012



ليست هناك تعليقات: