أرشيف المدونة الإلكترونية

السبت، 14 يوليو 2012

الأحد السادس بعد العنصرة




الأحد السادس بعد العنصرة

في هذا الأحد نرى التلاميذ دوماً في نقاش فيما بينهم، حتى أن المسيح أنبأهم على فعلتهم ولماذا يبغون المراكز المادية، ككل إنسان طبيعي يتوق إلى الأفضل، وككل إنسان محب للحياة يتمنى أن يصل إلى درجات أعلى، كإبني زبدى اللذين أرادا أن يكون أحدهما عن يسار المسيح والآخر عن يمينه، فكان جواب المسيح أن هذا المكان معدٌ للذين هم مختارون في ملكوت الله، فليس في يده أن يعطي الأمكنة في السماء، إنما الله تعالى خصص لكل إنسان منّا مكانه في السماء، وأجاب يسوع:

الكبير فيكم فليكن خادماً للكل وعبداً للكل، أي الإنسان الذي يبغي الأمجاد عليه أن يكون متواضعاً، أن يكون خادماً لإخوته، ليس فقط أن نبغي المراكز العليا كي نظهر أمام الناس أننا كبار، السلطة هي خدمة، وكلما تواضع الإنسان كلما ارتفع، فليس من المحمود أن يكون الإنسان ظاهراً أمام الآخرين بلباسٍ جميل وبداخله يكون ذو شرور.

الشجرة الصالحة تخرج ثمراً صالحاً، والشجرة الرديئة تخرج ثمراً رديئاً، قال يسوع في الإنجيل المقدس، فنحن علينا أن نظهر ما في داخلنا بأعمالنا الطيبة، وعندما نريد أن نكون كباراً علينا أن نكون أصحاب قلب طيب، وطباعٍ دمثة، أن تكون طباعنا طيبة، أن تكون علاقتنا طيبة مع الآخرين، بذلك يرفعنا الله تعالى إلى أعلى المرتبات وإلى أعلى المستويات، ولماذا تذمر التلاميذ؟

هم أيضاً يريدون، كل واحد كان يريد أن يكون في المجد أن يكون عن يمين المسيح، لأنهم كانوا يعتقدون أن الوجود عن يمين المسيح هو مجدٌ، هو فخرٌ، وهذا حق، وكلنا نريد أن نكون عن يمين الله الآب، كما حصل للمسيح بعد القيامة، ولكن كي نصل إلى هذا المجد علينا أن نتعب، علينا أن نجاهد، علينا أن نعمل، كي نصل إلى هذه المرتبة، كما في كل حالات هذه الحياة العائلة عندما تتطور، عندما تعمل كي تكون من خيرة المجتمعات، من خيرة العائلات، عليها أن تربي أولادها تربية مسيحية صالحة، والأم عليها أن تحتمل تربية الأولاد، والأب عليه أن يعمل كي يؤمّن الحياة لهؤلاء الأولاد، جهادٌ مستمر، وعملٌ مستمر، إلى أن يصل الإنسان إلى تحقيق هدفه وغايته، فليس من السهل أن نصل إلى ما نبتغيه، وليس بالجيد أن يصل الإنسان إلى مشروع ما بدون تعب، وإن كان الإنسان يريد أن يعمّر بيتاً أو بناءً لا يجلس في الهواء ويقول ليقوم البناء فيقوم، عليه أن يخطط، وعليه أن يؤمن المال، وعليه أن يؤمّن الحسابات، وبعد ذلك بفترات وسنوات يصل إلى تحقيق غايته، وهكذا في الحياة كل شيء.

إنما الهدف بالنهاية أيها الأحباء هو أننا نريد أن نصل إلى الملكوت، نريد أن نصل إلى محبة المسيح، لا أن ننظر إلى الحياة المادية، لا أن ننظر إلى المراكز، لأن الكثير من الناس يريدون أن يصلوا، أن يكونوا كباراً، وفي يومٍ من الأيام يمحون من خارطة الحياة، والذي يبقى هو عمل الإنسان، والذي يبقى هو ذكر الإنسان، والذي يبقى هو مثال الإنسان، ونحن عندما نريد أن نكون مثالاً علينا أن نعطي حياتنا كاملة كي نصل إلى محبة المسيح الذي بذل نفسه عنّا.

في هذا الصباح المقدس، أطلب إليه تعالى أن يجعل منّا دوماً المثال الصالح، أن يعطينا كي نكون مثالاً ونوراً أمام مجتمعنا، وأمام أولادنا وعائلاتنا، كي نصل يوماً أن نربح المسيح ونكون عن يمينه في الملكوت السماوي، ولذلك أدعوكم دائماً للاشتراك معنا في هذه الصلاة، في هذا القداس، هذه الافخارستيا، في هذه الذبيحة الإلهية، كيما نوحّد أفكارنا ونوحّد عقولنا ونوحّد إرادتنا كي نصل يوماً أن نكون ورثة الملكوت.

لدى قراءتنا للنصوص الإنجيليَّة الّتي تروي كيف أنَّ المسيح قد أقام مائتاً أو شفى مريضاً ذا علَّةٍ جسديَّةٍ فإنَّنا نادراً ما نفتكر حول ما الّذي يعنيه جسم الإنسان بالنسبة إلى الله الّذي خُلِقَ منه للحياة الأبدية وما المعنى الّذي يجب أن يحمله الجسد بالنسبة لنا . إذا لم يكن جسدنا ثمينٌ بالنسبة إلى الله الّذي أحبَّه بشدَّةٍ وحنانٍ بقدر ما هي ثمينةٌ لديه نفسُنا الأبديَّة ، فإنَّ الله لم يكن ليشفيَ الجسدَ حينذاك أو أن يعتنيَ بحياته بعد قيامته من بين الأموات.

ولدى تفكيرنا بجسم الإنسان سواء أكان ذلك مرتبطاً بخصوص حياته الأبديَّة أو الأرضيَّة أم بخصوص الأمور السماويَّة أو الأرضيَّة فإنَّه من الواجب علينا أن نتساءل : ألسنا نحصل على كلِّ المعرفة عن الله أو عن العالم المخلوق بوساطة الجسد ؟ فمنذ سنِّ طفولتنا ومنذ ولادتنا ذاتها نحن نتعرَّف على الحنان والمحبَّة عن طريق وساطة جسدنا وذلك قبل أن نتوَّصل إلى أيَّ شيءٍ بوساطة دماغنا .

وبعد ذلك نحن نقوم بجمع المعارف والحكم والتجارب وهكذا يصل كلُّ شيءٍ يتقنه دماغنا وكلُّ شيءٍ يغني قلوبنا إلينا بوساطة حواسنا . يقول الرَّسول بولُس :” إِذًا الإِيمَانُ بِالْخَبَرِ، وَالْخَبَرُ بِكَلِمَةِ الله .” ( قارن روميَّة10: 17 ). كما أنَّنا ندرك جمال الوجه البشري وجمال العالم المحيط بنا وكلَّ شيءٍ رائعٍ وجميل بوساطة رؤيتنا . ويمكننا أن نكمل العدَّ ذاكرين جميع حواسنا الّتي تتفتَّح كالباب أمامنا لكي نتأمَّل في معنى العالم المخلوق وبوساطته أن نتأمَّل في الحياة الأبديَّة وفي جمال الله الأبدي الّذي يسطع في خليقته كافَّةً .


ولهذا كان السيِّد المسيح يقوم بشفاءِ الجسد بمحبَّةٍ فائقةٍ للغاية كما أنَّ الله يكشف بوساطة هذه الأشفيَّة عن خلود التكوين الجسدي وذلك بكاملِ قوته . ولذلك عندما يموت أحدٌ فإنَّنا نحيط جسده ( أو جسدها ) بحنانٍ وورعٍ كبيران للغاية . حيث أنَّ الجسد مخلوقٌ من الله وقد وضع الله فيه كامل محبَّته . هنالك ثمَّة شيءٌ آخر أيضاً : لقد أصبح هو نفسه إنساناً لقد تسربل الله ذاته بالجسد ولم يكشف لنا بهذا فحسب وهو : أنَّ الإنسان بهذا التصميم وأنَّه بهذه العظمة وبهذا العمق حتَّى أنَّه باستطاعته أن يتَّحد مع الله ويصبحَ شريكاً في الطبيعة الإلهيَّة بل وأيضاً بأنَّ جسدنا قادرٌ على حمل الروح وأن يكونَ حاملاً لله بالفعل . يا لهذه المعجزة !



نحن أيضاً نرى كذلك بأنَّ الله يخبرنا بحياته الأبديَّة بوساطة المواد الأرضيَّة : وذلك وبوساطة مياه المعمودية الّتي تصبح مصدراً للحياة الأبديَّة وبوساطة الخبز والخمر المخترقان من قبل لاهوته كما أنَّنا بوساطة أجسادنا نشترك مع الله ذاته وذلك بوساطة أسراره المقدَّسة . يا لجسدنا العجيب ! ويا للورع الّذي ينبغي لنا أن نتصرَّف حياله ! لقد خُلِقَ جسدنا مع إمكانية تقديسه : إنَّه مدعوٌّ ليكون في شركةً مع الله تماماً مثل النفس .

إنَّه محبوبٌ من الله . يقول الرَّسول بولُس : ” مَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيَ ِللهِ.” ( 1كورنثوس6: 20 ) مجِّدوا : أي دعوا يسطع الله بوساطة جسدكم كما أنَّه يسطع بوساطة نفسكم وليكن جسدكم هكذا حتَّى يكون التلامس معه تلامساً مع التجسُّد الإلهي مع سرِّ الله الّذي أصبح إنساناً .

لنتأمَّل في التالي : لماذا نحن غالباً وفي أحيانٍ كثيرةٍ لا نتذَّكر جمال وعظمة جسدنا الأبديين ؟ وكثيراً ما نظنُّ بأنَّ الموت هو مثل لحظةٍ تدخل فيها نفس الإنسان إلى الحياة الأبديَّة وأمَّا الجسدُ فيتحوَّلُ إلى تُرابٍ . أجل إنَّه يتحوَّلُ إلى ترابٍ ولكن لديه دعوةٌ أبديَّةٌ : إنَّه سيقوم بالفعل كما قام المسيح . ونحن كلُّنا سنقف أمام حضرة الله متجسدين وبأجسادٍ مغيِّرة كما تغيَّرَ جسد المسيح أيضاً وبروحٍ مجدَّدةٍ بالحياة الأبديَّة وسنتحدَّث مع الله بالمحبَّة والإيمان والصلاة وليس بنفسنا فحسب بل مع كلِّ شيءٍ مخلوق سنصبح شركاءً للطبيعة الإلهيَّة وبنفسنا وبجسدنا أيضاً : بنفسنا وبجسدنا حينما بحسب وعد الله المعطى لنا بوساطة الرَّسول بولس سيكون الله الكلَّ وبالكلِّ ولن يبقى هنالك شيءٍ خارج نطاق الشركة الإلهيَّة وخارج نطاق المجد الإلهي .



يا لهذه المعجزة ! يا له من سرٍّ عجيبٍ : وكأَنَّ جسدنا الّذي هو بهذه الهشاشة وبهذا الزوال يمكن له أن يكون مخصباً وأن ينتميَ إلى الأزليَّة ويسطع فيما بعد في مجد القدِّيسين. آمين.

 
مع محبتي للجميع بالمسيح ربنا آمين
كل عام و الجميع بألف خير
سامر يوسف الياس مصلح
بيت ساحور - 15-07-2012

ليست هناك تعليقات: