أرشيف المدونة الإلكترونية

الجمعة، 26 سبتمبر 2014

عيد إرتفاع الصليب المقدس


الصليب المقدس من العلامات التي يعتز بها المؤمن المسيحي، ويتجلى ذلك في حياته اليومية فنراه يرشم علامة الصليب في كل وقت كان، في الأفراح والأحزان والآلام. 

وعيد الصليب المقدس أو عيد اكتشاف الصليب المقدس، ويسمى أيضاً عيد رفع الصليب المحي. ولهذا العيد أصول قديمة نذكر منها: 

يذكر المؤرخ الكبير أوسابيوس القيصري بأن الملك الروماني قسطنطين الكبير (324ـ 337) الذي رأى علامة الصليب في السماء على مثال نور بهيئة الصليب مع مكتوب تحتها عبارة: (بهذه العلامة تغلب).


وإن أقدم شهادة عن وجود خشبة الصليب المقدس في أورشليم جاءتنا في خطبة للقديس كيرلس الأورشليمي الذي ذكر في سنة 347 بأن ذخائر خشبة الصليب المقدس وجدت الآن في العالم. ومن قوله هذا يمكن الاستنتاج بأن خشبة الصليب اكتشفت في الفترة بين 335ـ 347 م.

وذكرت ايجيرية الراهبة الأفرنجية في أخبار رحلاتها الى فلسطين بأن تذكار
اكتشاف الصليب تعلق بعيد التكريس وبأن العيد كان لمدة 7 ايام يجري خلالها تقديم الصليب المقدس لتسجد الناس له اكراماً وتشفعاً. 
ومن التقليد الكنسي عيّن تاريخ هذا العيد في 14 أيلول من كل عام وذلك منذ القرن السادس الميلادي. 

القصص الشعبية القديمة عن اكتشاف خشبة الصليب المقدس:
هناك العديد من القصص الشعبية القديمة التي تذكر حادثة اكتشاف خشبة الصليب المقدس ولكن أهمها وأكثرها انتشاراً هي قصة القديسة هيلانة والدة الملك قسطنطين الأول الكبير التي أتت الى الديار المقدسة في القرن الرابع، بعد انتصار الملك قسطنطين سنة 313 للبحث عن الصليب المقدس في أورشليم، وبعد أن سعت في مبتغاها استدلت على موضع القبر الجليل ، توقفت في اكتشاف الصليب مدفوناً بالقرب من الجلجلة بين ثلاثة صلبان وتحقق مكاريوس أسقف أورشليم من صحة عود الصليب المقدس. وتأكيدأ على صحة هذه القصة يجب ذكر قول للقديس يوحنا الذهبي الفم في خطبة القاها بين سنة 390ـ 395 والتي ذكر فيها بأن الفرق بين الصليب الصحيح والصليبين الأخرين عندما اكتشفتهما الملكة هيلانة كان واضحاً من اللوحة التي كتبت بأمر بيلاطس والتي بقيت معلقة عليه ويرى ذلك أيضاً القديس امبروسيوس أسقف ميلانو 374 ـ397) ويضيف إلى ذلك بأن هيلانة أم قسطنطين التي اكتشفت خشبة الصليب المقدس فعلاً.


وعندما قام الفرس بغزو اورشليم ونهبها سنة 614 كانت خشبة الصليب المقدس بين جملة الغنائم التي أخذوها ونقلوها معهم الى قطيسفون عاصمة مملكتهم الشتوية على نهر دجلة وبقي الصليب من حوزتهم حتى قام الإمبراطور الروماني هرقل واستظهر عليهم فردهم على أعقابهم وهزم جيوشهم وانتصر على كسرى الثاني سنة 628 وأعاد ذخيرة الصليب المقدس وبدخول الفاتحين الى القسطنطينية والتي استقبلت الموكب بأحتفال مهيب بالمصابيح وتراتيل النصر والإبتهاج. بعدها نقلت الذخيرة إلى إورشليم سنة 631. 

ويذكر التقليد أنّ الملك هرقل حمل الصليب على كتفه وسار به بحفاوة كبيرة بين الجموع المحتشدة إلى الجلجلة وهناك أحسّ الملك بقوة خفية تصده وتمنعه من دخول المكان فوقف الأسقف زكريا بطريرك أورشليم وقال للإمبراطور: (حذار أيها الملك أن هذه الملابس اللأمعة وما تشير اليه من مجد وعظمة تبعدك عن فقر المسيح يسوع ومذلة الصليب) وفي الحال خلع الملك ملابسه الفاخرة وارتدى ملابس حقيرة وتابع مسيره حافي القدمين حتى الجلجلة حيث رفع عود الصليب المكرم فسجد المؤمنون على الأرض، وهم يرنمون (لصليبك يارب نسجد ولقيامتك المقدسة نمجد). فأضيف تذكار هذه المسيرة الى عيد ارتفاع الصليب في 14 ايلول في اكثرية الطقوس.

ومن العادات الشعبية المقترنة بعيد الصليب إشعال النار على قمم الجبال أو أسطح الكنائس والمنازل أو في الساحات العامة، وترجع هذه العادة إلى النار التي أمرت القديسة هيلانة باشعالها من قمة جبل إلى أخرى لكي توصل خبر عثورها على الصليب للابنها الملك قسطنطين.



Holydoor
تسمى علامة الصليب علامة الظفر أي النصر، إذ من بعد موت المسيح عليه وقيامته من بين الأموات انتصر على الموت، ومن بعده حتى يومنا هذا يستخدم المسيحيون الصليب لكي ينتصروا على الشر. هذا الشر متعدد الأشكال والمصادر ويمكن تصنيفه وفق المصادر الثلاث التالية: العالم والجسد والشيطان.
1. العالم: ليس المقصود الأرض أو البحر أو السماء التي نعيش فيها إنما هم الناس غير المؤمنين وغير التائبين فيشكلون أعداء المسيحية الخفيين. في العصور الأولى للمسيحية كان المسيحيون يُضطَّهَدون بالقتل وأما اليوم فيُضطهدوا بالكلام الوضيع والهزأ والسخرية من المسيحيين غير المؤمنين. أما المسيحي الحق فهو لا يخافهم لأنه يعرف أنه من بعد الصلب هنالك الغلبة دوماً وبهذا الروح يرسم علامة الصليب بلا خجل ويقرأ الكتب المقدسة ويذهب إلى الكنيسة ويصلي ويلبس كما يليق بأبناء الله ويصوم ويعترف، ولذلك الشخص الذي يريد أن يتبع العالم ويصبح صديقاً له يصبح عدواً للمسيح والمسيحيين.
2. الجسد: هو ذات كل واحد منا التي لا تقف عن أن تطلب ملذاتها، والشخص الذي يتبع شهوات الجسد ورغباته لا يطلب السماء بل الجحيم، وذلك أنّ الانغماس بشهوات الجسد هو انغماس بالخطيئة وبالتالي نتيجته الموت والجحيم. أما رفع الصليب فيعني عدم تلبية مشتهيات الجسد المفسدة بل طلب ملكوت السموات.
3. الشيطان: هو العدو الأكبر الذي يحارب الإنسان بدون توقف. بعض غير المؤمنين لا يشعرون بوجود الشيطان ولا يؤمنون أنّه كائنٌ حقيقيّ، ولكنهم إن فتحوا أعينهم جيداً فهم سيرون أنه أخطر كائن على البشرية، هدفه جمع النفوس الضعيفة لتكون معه في حربها ضد المسيح أو المسيحيين. نحن ننام أما هو فيبقى ساهراً لا ينام، وكمثلِ أسدٍ جائع يبحث عن الطعام كذلك هو يبحث عن النفوس الضعيفة كي يطاردها ويصطادها.
أما كيف نتغلب على مصادر الشر فهذا يكون كما عمِلَ المسيح وعلّمنا:
1. العالم: المسيح لم يأبه لما سيقوله العالم عند صلبه بل كان هدفه أن تتحقق مشيئة الله الآب السماوية فينال بالصليب الغلبة على الموت، وهكذا نحن أيضاً علينا أن لا نأبه لما يقول العالم ولنتابع حياتنا المسيحية كما ترضي الله وليس البشر.
2. الجسد: هو أيضاً لم يأبه له فسلّمه للجلد والبصق والجروح والآلام والموت ومن بعد آلامه كلها قام وغلب كل ألم وهكذا نحن يجب أن نتحمل كل ألم عند الصوم والصلاة أو أي شيء آخر لأنه لا يقارن بآلام المسيح ولأنه من بعدها سيكون الظفر والغلبة.
3. الشيطان: بعودٍ غلب الشيطانُ آدمَ الأول وطُرد هذا الأخير بسببه من الفردوس، عكَسَ المسيح الأمرَ إذ بعودِ الصليب غلبَ الشيطان وفتح لنا أبواب الفردوس.
أخي المؤمن لا تأبه لكل حرب ضد مسيحيتك بل جاهد بالروح وبقوة الصليب الغالبة ستغلب كل تجربة وخطيئة.
يرتبط عيد رفع الصليب المقدس بذكرى استرجاع خشبة عود الصليب الذي عُلِّق عليه الربّ يسوع المسيح فأصبح رمزاً للفداء والقيامة والمجد .

   *    تخبرنا الأناجيل أن اليهود طلبوا من بيلاطس صلب يسوع , فخرج المسيح حاملاً صليبه إلى الموضع المسمّى الجلجلة . ومن الثابت أن يسوع مات على الصليب , وبعد موته اهتم يوسف الرامي, بإذن من الوالي بيلاطس البنطي , بإنزال جسد المسيح ووضعه في قبره الخاص الجديد.
ولكن ماذا جرى لصليب المسيح ؟ لقد طمروه في التراب مع الصليبين الآخرين , وبسب ما لاقاه المسيحيون من اضطهاد في القرون الثلاثة الأولى لم يجسر أحد على ذكره أو البحث عنه .

 *   لما وقعت الحرب بين الملك قسطنطين وخصمه مكسانس سنة 312 طلب الأول المعونة من إله المسيحيين, فظهر له صليب في الجو وحوله هذا الكتابة : " بهذه العلامة تنتصر".
عندها آمن الملك قسطنطين بالمسيح وأمر برسم الصليب على تروس جنوده , وانتصر في الحرب .
ثم أصدر مرسوم ميلانو سنة 313 وأقرَّ للمسيحية حق الوجود واعترف بالدين المسيحي وسمح به .

   * بعد هذا الظهور للصليب , ذهبت والدة الملك قسطنطين , القديسة هيلانة , إلى القدس تبحث عن صليب المسيح . وبعد الحفر وجدوا الصلبان الثلاثة , ولمعرفة صليب الربّ أتوا بمريض واكتشفوا أن صليب الشفاء هو صليب المسيح . فشيدت القديسة هيلانة في القدس كنيسة القيامة وجعلت فيها صليب المسيح للإكرام .

   *   في السنة 614 م. اجتاح ملك الفرس كسرى الشرق ودخل القدس وهدم كنيسة القيامة واستولى على عود الصليب وأخذه معه إلى بلاده ووضعه في هيكل الأصنام .
وبعد 14سنة , جاء الإمبراطور البيزنطي المسيحي هرقل وحارب ملك الفرس كسرى وانتصر عليه واستعاد عود الصليب المقدس وأرجعه باحتفال عظيم إلى القدس , وكان ذالك في 14 أيلول 628 م. فشمل الفرح العالم المسيحي الشرقي واخذوا الناس يتباركون من خشبة الصليب المقدس التي حلَّ عليها تم سرّ الفداء .

* ومنذ ذلك الحين والكنيسة تحتفل بهذا العيد العظيم : عيد رفع الصليب المقدس , كل سنة 14 أيلول.
ولا ننسى أنَّ ذكرى رفع الصليب لا يمكن فصلها عن الصلب والموت والقيامة من بين الأموات .
كيف أرى الصليب ؟
الصليب هو مِحْوَر الخلاص ومِحْوَر التاريخ البشريّ. لأنه بالصليب بدأنا نعرف من هو الله ومن هو الإنسان. فقد كشف الصليب لنا عن وجه الله المحبة, وأيضاً كشف لنا عمّا في الإنسان من حقد وكراهية وعنف . فالصليب هو حركة تضامن إلهي مع واقع الإنسان المليء بالتناقضات والظلم والقهر وعبودية الشرّ والموت.
الحياة بحد ذاتها تحمل صليباً. فالصليب هو واقعٌ في حياة كل إنسان :

الصعوبات والإخفاقات هي صليب
الظلم هو صليب
الآلام والمرض هي صليب
الموت هو صليب
ويسوع كإنسان حمل صليبه , حمل الظلم والشر والآلام .
ويسوع المسيح كإله ندّد بالظلم وبالخطيئة وبالشرّ .
ولكن يسوع المسيح كإنسان وإله صحّح مفهوم الصليب بموته وقيامته من بين الأموات .

ومن هنا يتبين لنا أن حقيقية الإيمان المسيحي تتلخص بقول يسوع : " من أراد أن يتبعني فليحمل صليبه ويتبعني" .
لم يقل يسوع في دعوته هذه : " فليحمل صليبي" بل قال " فليحمل صليبه" ويتبعني, أي يحمل كلّ شخص أيام حياته يتبعني إلى القيامة , وهذا هو تماماً معنى إتباعه . إذ لا يمكن فصل حقيقة الصلب عن سرّ القيامة .
فإن قيامة المسيح هي اعتلان لقدرة الله , وتصديق لكلامه ولرسالته , وعلى ضوء القيامة نفهم معنى وهدف حياتنا ونفهم الخلاص .

أرى أنّ الصليب موجود في حياة كل منا , وبإيماننا نحمله حباً بالمسيح المصلوب .
أرى أنّ الصليب يحرّرنا من عاهاتنا ومن بؤسنا .
أرى أنّ الصليب يكشف لنا معايير وقيم جديدة نابعة من الحبّ الإلهي , نابعة من الله المحبة .


مع محبتي للجميع بالمسيح ربنا آمين
كل عام و الجميع بألف خير
لصليبك يا سيدنا نسجد و لقيامتك المقدسة نكرم و نمجد
سامر يوسف الياس مصلح
بيت ساحور - 27-09-2014

ليست هناك تعليقات: