أرشيف المدونة الإلكترونية

الأحد، 30 مارس 2014

الأحد الرابع من الصوم:القديس يوحنا السُلّميّ


من تعليمنا الأرثوذكسي: القديس يوحنا السُلّميّ


ان هذا الأحد هو أحد القديس يوحنا السُلّميّ الذي تُعيّد له الكنيسة في الأحد الرابع من الصوم. من هو؟ ولماذا نسمّيه السلّمي؟


كانا يوحنا راهبًا في دير جبل سيناء، ثم صار رئيسًا للدير ومرشدًا للإخوة الرهبان وللزوار الذين يقصدونه. لذلك كتب كتابًا سمّاه "السُلّم"، ويقصد به السُلّم الى الله، رتّب فيه وصف الفضائل المسيحية والتجارب والاهواء التي تعترض من يسعى الى الله، مع تعليماته وإرشاداته في الحياة الروحية على شكل درجات السُلّم يَصعدها المؤمن درجةً بعد درجة، من الأسهل الى الأصعب، مستعينا بالصلاة والصوم والحياة حسب الانجيل. جعل القديس عدد الدرجات-المواضيع ثلاثين درجة، منها كلام في التوبة والوداعة وعدم الغيظ والحقد والكذب، في الطهارة والعفة، في الكبرياء الغبية وفي التواضع... يُسمّى الكتاب احيانا "سُلّم الفضائل" او "سُلّم الفردوس".


ومتى كان ذلك؟
عـاش القديس يوحنـا بيـن عامـي 525 و600 تقريبًا. أمضى حياته راهبا في الدير اولا، ثم متوحدا لمـدة أربـعـين سنـة، ثم رئيـسًا للـدير حيـث لا يـزال ذكـره قائما حتى اليوم لأن ميزة دير جبل سيناء ان الحياة الرهبانية لم تنقطع فيه منذ تأسيسه في القرن السادس حتى اليوم. لا تزال الصلوات تقام فيه، ويقصده الزوار من كل مكان. كان اسمه اولا دير السيدة العذراء، ثم دير التجلي، ثم دير القديسة كاترينا.


يمكننا ان نقرأ كتابه الآن طبعًا، فهو موجود باللغة العربية. وضعه القديس يوحنا باليونانية، وكان اولا يُقرأ في الدير، ثم لاقى نجاحا كبيرا لدى المؤمنين فصاروا ينسخون عنه المخطوطات، لأنه لم تكن طباعة آنذاك. انتشر في الشرق والغرب وتُرجم الى لغات عديدة منها العربية منذ القرن العاشر ثم القرن الثالث عشر. بين ايدينا اليوم ترجمة عربية وضعتها رهبنة دير مار جرجس الحرف سنة 1980. هذا ليس كتابا نطالعه مرة واحدة ونقول انتهينا منه. انه كتاب يرافق مَن يسعى الى حياة الفضائل في جهاده الروحي، في حياته اليومية، يُلهب شوقه الى الرب، ينير علاقته بالآخرين.


لماذا نعيّد له اليوم في الاحد الرابع من الصوم؟
وضعت الكنيسة عيد القديس يوحنا السلّمي في الاحد الرابع من الصوم، والقديسة مريم المصرية في الاحد الخامس لأنها رأت فيهما مثالا لحياة النسك والفضيلة يقتدي بهما المؤمنون في جهادهم الروحي بالأخص ايام الصوم الكبير. يوحنا عاش ناسكا واعطى مبادئ النسك في كتاباته، ومريم اعطتها في حياتها.


تستدعي الكنيسة اليوم انتباهنا إلى القديس يوحنا السلّمي (19) لأن هذا الأب، الذي عاش في القرن السابع، حقق في حياته المثل الأعلى للتوبة الذي علينا أن نضعه نصب أعيننا خلال الصوم. فنرنّم في صلاة المساء: (لنكرم يوحنا فخر النساك...)، وفي صلاة السَحَر نقول للقديس: (إذ أذويت جسدك بالإمساك، جدّد قوة نفسك وأغنيتها بالمجد السماوي).


لكن الكنيسة تعطي تأويلاً صحيحاً لتعليم القديس يوحنا السلّمي حين تعلن أنه ليس للنسك أي معنى أو قيمة إن لم يكن تعبيراً عن المحبة، وحين توجّه إلى القديس هذه الكلمات في صلاة المساء: (لذلك هتفت نحو الكل: أحبوا الله فتجدوا نعمة أبدية. لا تفضلّوا شيئاً على محبته). ونتابع في القداس تلاوة الرسالة إلى العبرانيين (13:6- 20). وهي تكلمنا عن صبر ابراهيم وطول أناته وعن التحقيق النهائي للمواعيد التي وعده بها الله. يستحيل أن يكذب الله. لذلك، مثل ابراهيم، (نتشجع، نحن الذين وجدنا ملجأ في التمسك بالرجاء الموهوب لنا). فهل نعيش على هذا الرجاء الكبير؟

يصف الإنجيل (مرقس 16:9- 30) شفاء الابن الأخرس الذي مسّه الشيطان، وقاده أبوه إلى المسيح، قال الرب للأب: (إن كنت تستطيع أن تؤمن فالمؤمن يستطيع كل شيء). فصاح أبو الصب ي بدموع: (أؤمن يا رب، فأعن عدم إيماني).


لا نستطيع أن نجد صيغة أفضل من هذه للإعراب في آن واحد عن وجود إيماننا وعن ضعف الإيمان. لكن هل نحن قادرون على البكاء بدموع حارة حينما نقول لمخلّصنا: (أؤمن.. فأعن عدم إيماني). أشفق يسوع على الأب وقبل إيماناً كهذا، وشفى الابن.
وإذ تحدّث التلاميذ مع المعلّم على حدة، سألوه لماذا لم يستطيعوا هم أن يطردوا هذا الشيطان. فأجاب يسوع: (إن هذا الجنس لا يُطرد إلاّ بالصلاة والصوم). لا نذهبنّ إلى الظن بأن صوماً طويلاً وصلوات مكررة تكفي للحصول على هذه القوة التي لم يكن التلاميذ يتمتعون بها بعد. فالصلاة والصوم، في أعمق معنى لهاتين الكلمتين، يعنيان الموت الكلي للذات، وتثبيت النفس في موقف ثقة وتواضع ينتظر كل شيء من رحمة الله، وخضوع إرادتنا لإرادة الرب، وإسلام كياننا برمته إلى أيدي الآب.

فمن يبلغ بنعمة الله هذه الحالة يستطيع طرد الشياطين. ألا نستطيع أن نخطو على الأقل الخطوات الأولى في هذا السبيل ؟ فإن حاولنا سننذهل من النجاحات التي سنحصل عليها.
--------------------------------------------------------------------------------
(19) إن لقب يوحنا باليونانية هو (كليماكوس) أي صاحب السلم. وقد صارت هذه الكلمة صفة ليوحنا رئيس رهبان سيناء، الذي توفي حوالي عام 670، لأنه ألَّف كتاباً نسكياً شهيراً بعنوان (سلم الفردوس). فمن الممكن أن يكون أصل تكريس الأحد الرابع من الصوم للقديس يوحنا صاحب السلّم مستمداً من كون هذا الكتاب كان يقرأ في الأديرة حوالي منتصف الصوم (راجع (السلّم إلى الله)

مع محبتي للجميع بالمسيح ربنا آمين
كل عام و الجميع بألف خير
سامر يوسف الياس مصلح
بيت ساحور - 30/03/2014

ليست هناك تعليقات: