أرشيف المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 4 ديسمبر 2013

عيد دخول السيدة إلى الهيكل

باسم الآب والإبن والرّوح القدس الإله الواحد آمين 
عيد دخول السيدة إلى الهيكل (21 ت2)
تدبير الله الكلمة في الجسد

الشجرة الحسنة إنما تعرف من ثمرها، فكيف لا تكون والدة الصلاح ومولدة الحسن الأزلي إذاً أرفع شأناً بصلاحها من كل ما في العالم ومما فوق العالم؟ ذلك لأن القوة التي صنعت كل شيء، أيقونة الصلاح الأزلية والكلمة الكائن قبل الأزل الفائق الجوهر والفائق الصلاحن قد شاء في
 محبته للبشر التي لا توصف ورأفة بنا أن يلبس صورتنا، ليعيد طبيعتنا التي نزلت إلى أعماق الجحيم ويجددها بعد أن عنقت، ويصعدها إلى علو ملكوته وألوهيته الذي يفوق السماوات. شاء أن يتحد إذاً بطبيعتنا بحسب الأقنوم وكان محتاجاً من ثم إلى جبلة جسدية وإلى بشرة جديدة تكون في الوقت عينه بشرتنا نحن لكي يجددنا، ولذلك كان محتاجاً إلى حبل شبيه بحبلنا، وإلى ولادة شبيهة بولادتنا، وإلى تغذية بعد الولادة وتصرف يتناسب وإيانان صائراً بالتالي على شبهنا لأجلنا.

وهكذا وجد له أمة ملائمة هي العذراء الدائمة البتولية مريم لتمنحه من نفسها طبيعة لم يلحق بها دنسن وهي التي نسبحها اليوم مقيمين تذكار دخولها العجيب إلى قدس الأقداس، إذ سبق الله فعينها من قبل الدهور لأجل خلاص جنسنا وإعادته، مختاراً إياها من بين جميع المختارين المشهود لهم بالتقوى والحكمة والأخلاق الحسنة قولاً وفعلاً.

كان دخول السيدة والدة الإله إلى الهيكل عن طريق الصلاة إذ حصل الوالدان على طلبهما وعاينا تحقيق الوعد، فأسرعا من ثم ليوفيا النذر كونهما صفيين لله. فبعد الفطام حالاً أتيا بالطفلة العذراء والدة الإله إلى هيكل الله حيث رئيس الكهنة، وكانت الطفلة متلئة نعمة منذ ذلك السن حتى إنها كانت تعي ما كان يجري أمام عينيها وتعبر قدر استطاعتها عن حرية انقيادها وعن تقدمها الطوعي إلى الله، كما لو كانت مأخوذة بالعشق الإلهي مشتهية هذا الدخول والسكنى في قدس الأقداس.

لقد فهم رئيس الكهنة أن الطفلة حاصلة على النعمة أكثر من الجميع فأقامها من ثم في المكان الذي هو أفضل من أي مكان آخر، مدخلاً إياها إلى قدس الأقداس ومعلّماً الكل توقير العذراء التي كانت تتغذى بقوتِ إلهي يحضرها إليها ملاك، والذي به كانت تنمو في جسدها على نحو أجزل طهراً ونقاء وسموا من القوات العادمي الأجساد. إذا كان الملائكة يخدمونها، هي التي لم تدخل الهيكل من تلقاء نفسها بل التي أجتذبها إليه الله نوعاً ما لتسكن معه سنوات عدة إلى ان انفتحت الأخدار السماوية وقدّمت للمؤمنين هيكلاً إلهياً بمولودها العجيب.

لذلك أودعت اليوم في الأقداس كذخيرة إلهية هذه الطفلة المختارة بين المختارين منذ الدهر، التي كان جسدها أكثر طهارة من الأرواح المطهرة بالفضيلة، حتى إنها أضحت لا رمزاً للأقوال الإلهية وحسب، بل ومسكناً أيضاً لأقنوم الكلمة الابن الوحيد نفسه الذي للآب غير المولود.

هذه الوديعة في حينها كزينة غنية تفوق العالم، ولذلك يمجد أمه قبل الولادة وبعد الولادة أيضاً.

وأما نحن فإذ نفهم معنى الخلاص الذي يتهيأ عن طريقها فنقدم لها الشكر والتسبيح كله.

هكذا حين سمعت المرأة المذكورة في الإنجيل الأقوال الخلاصية طوبت والدة الإله مؤدبة لها الشكر جهازاً وقائلة للرب: "طوبى للبطن الذي حملك وللثديين اللذين رضعتهما" (لوقا 27:11).

ونحن الحائرون على أقوال الحياة مكتوبة أمامنا، ومعها العجائب والآلام، وإقامة جنسنا من الأموات، وإصعادها إلى السماء، والحياة الأبدية الموعود بها، والخلاص المنتظر كيف لا نواصل التسبيح والتطويب الآن لمن ولدت معطي الخلاص ومانح الحياة، عند الحبل بها وعند ولادتها وعند دخولها إلى الأقداس؟

إذاً فلننقل ايها الإخوة أنفسنا نحن: أيضاً من الأرض إلى السماء، ومن الجسديات إلى الروحيات. لننقل شوقنا من العابرات إلى الباقيات، ولنزدر بالملذات الجسدية التي تطعن بالنفس وتعبر بسرعة. فلنشته إلهيات الروحية التي تبقى بلا فساد، ولنرفع ذهننا من الصخب مرتقين به إلى السماوات، إلى قدس الأقداس حيث تسكن والدة الإله.

هكذا سنقدم لها نشائدنا بدالة كبيرة، وهكذا سنصبح بشفاعاتها ورثاء للخيرات الباقية بنعمة الرب يسوع المسيح ومحبته للبشر، الذي ولد منها لأجلنا والذي به يليق المجد والإكرام والسجود مع أبيه الذي لا بدء له وروحه الكلي قدسه الصانع الحياة، الآن وكل آوان وإلى دهر الداهرين. آمين
 قيمة العيد الثبوتية:
إن حادثة دخول العذراء إلى قدس الأقداس وهي في الثالثة من عمرها واقتبال زكريا لها، مأخوذة من إنجيل زائف، فهل يمكن تطبيق القاعدة المشهورة Lex orandi, Lex credenda (قانون الصلاة هو قانون الإيمان)، أي نؤمن كما نصلي، بحيث أن ما قبلته الكنيسة في خدمها الطقسية يجب اعتباره جزءاً من تراثها؟ هذه القاعدة نجد لها أساساً في الكتاب نفسه. فعندما يقول الرسول: ((إن كان الأموات لا يقومون البتة فلماذا يعتمدون من أجل الأموات)) (1كو 15: 29). فكأنه يقول ان من الخدمة الطقسية يُعرف الإيمان. كذلك لجأ إلى هذه القاعدة باسيليوس الكبير في القانون الـ 92.
ولكن هذه القاعدة إذا عنت أن الليتورجيا في نهجها العام وفي روحيتها تشير إلى تعليم فهذا لا يصح تفصيلاً ولا يصح عن كل نص. فبين النصوص الطقسية تفاوت كبير من حيث القدم وتفاوت كبير من حيث العمق الروحي وتباين في الثبوت التاريخي. فضلاً عن أن هناك مشكلة الأنواع الأدبية، فالخدم صيغ بعض من نصوصها أدباً عقائدياً دقيقاً كالثالوثيات في الأكطويخوس وبعضها شعر ديني كالأكاثسطون وكثير منها إطراء رتيب كما في أكثر الميناون.
وفي الطقوس، كما في الكتاب، نصوص ظاهرها تاريخي ولكنها تعليمية. فإن رأى كبار الشراح من الآباء وغيرهم، وخاصة باستعمالنا أساليب النقد الحديث، إن رأوا أن كلمة الله تستخدم القصة التعليمية أحياناً كقالب لها فليس ما يحول إذاً أن تلجأ الطقوس الإلهية إلى القالبي الغنائي للتعبير عن حقيقة أعمق. فإذا تبنت الكنيسة عيد دخول السيدة مثلاً واقتبست هيكله من الأدب التقوي الشعبي فلا تلزمنا بالضرورة أن نقول بحدوث الحادثة ولكنها تدعونا لتأمل معنى روحي قائم أصلاً في التقليد الكنسي ذي ارتباط بسر خلاصنا ولو كنا لا نستطيع أن نتبين ارتباط هذا المعنى بعالم الحس.

وبالإضافة إلى ذلك فإن عقر حنة وحبلها وصلاتها شبيهة بروايات أُخرى في الكتاب كرواية أم صموئيل (1مل 1 و 2). والسرد متأثر تأثراً واضحاً بإنجيل لوقا. وجلي أيضاً أن الكاتب اراد لوالدة الإله ما أراده لإبنها من مولد عجيب تحدثت عنه السماء وأراد لها دخولاً إلى الهيكل كما صار له، وأعيادها جملةً ترداد لأعياده حتى تظهر، بشكل طقسي، مشاركتها له في المجد. كل هذا يجعلنا نذهب إلى أن العيد عيد فكرة وأن ليس في القرون الأولى ما يلقي طابعاً ثبوتياً على الحادثة، فنقول إنه خلقت الحادثة في الديانة الشعبية ونشأ العيد مستعملاً الصورة في الديانة الشعبية لدعم الفكرة.

وخدمة العيد كما هي لدينا، ذات عناصر أضيفت إلى إنجيل يعقوب يجب إقصاء الطابع التاريخي عنها كلياً.

فنص الخدمة جعل مريم تتربى ليس في الهيكل وحسب كما يكتفي بذلك إنجيلنا الزائف ولكنه يجعلها تتربى في قدس الأقداس. ((اليوم القديسة الكلية الطهر تدخل إلى قدس الأقداس كعجلة ذات ثلاث سنين)) (كانين الأيونس). وحتى يتاح لها ذلك، مع أن ولوج قدس الأقداس مباح فقط لرئيس الكهنة مرة بالسنة (لاويين 16: 15)، كان لا بد أن يُجعل زكريا المذكور في الأبوكريفا رئيس كهنة وهذا غير وارد لأن إنجيل لوقا يصفه كاهناً عادياً (لو 1: 5، 8، 9) ولأن قائمة رؤساء الكهنة في ذلك العهد، كما وضعها يوسيفوس المؤرخ، لا تذكر أبا السابق بين رؤساء الكهنة.
فكرة العيد
يجب إذاً أن نقفز فوق الحادثة ونتعمق من العيد معناه الروحي. وقد حاولت الكنيسة استقصاءه بين القرن السادس والقرن الثامن. في تشرين الثاني السنة الـ 543 كُرست الكنيسة الجديدة للسيدة في القسطنطينية ولعل تعيين تاريخ اليوم الـ 21 من هذا الشعر للعيد مرتبط بذكرى تجديد هذا المعبد. فانتقلت الكنيسة، بالفكر، من حدث قسطنطيني إلى حدث أشمل بمغزاه، فكان العيد.

ثم نجد القديس اندراوس الأخريطشي صاحب قانون التوبة المشهور يعظ ثلاث عظات عن العيد. وقديسنا بعد أن ترك موطنه دمشق قضى معظم حياته في أورشليم والقسطنطينية وأخريطش (جزيرة كريت). انتهى إلى القسطنطينية في السنة الـ 680 أو الـ 686 ومات أسقفاً على كريت السنة الـ 740. ففي أواخر القرن السابع أو بدء الثامن العيد قائم في واحدة من هذه البقاع.

في الخدمة فكرة تفيد أن العذراء جزء من تدبير الخلاص ومرئية في المقاصد الأزلية. بهذا المعنى: ((إن ملكة الكل السابق تحديدها قد فتحت لنا ملكوت السماوات)) (ذكصا كانيني الغروب) وكذلك: ((السابق انتخابها من بين الأجيال لسكنى المسيح ملك الكل)) (ذكصا كانيني الأبوستيخون). مقاصد الله في سر تجسد الإبن تتضمن دعوة أزلية لمريم لتكون خادمة لهذا السر.
ولذلك نقرأ في بعض الأعياد المريمة ما ورد عن الحكمة في الاصحاحين الثامن والتاسع من سفر الأمثال. ففي عيد البشارة الذي يشير إلى الملء، إلى تحقيق المواعيد الإلهية قراءة سفر الأمثال تشير إلى أن مقاصد الله اكتملت بقبول العذراء خدمة السر. هذه هي حكمة الله: إيجاد حواء الثانية لتتم بواسطتها خلقتنا الجديدة. وإن أعظم مظهر لحكمة الله، وفق ابن سيراخ، أن تسكن الحكمة في وسط الشعب.
 إن عيدنا الحاضر يبيّن وجهاً من وجوه الحكمة عندما يجعل العذراء هيكلاً لله جديداً. أوضحت الفكرة هذه طروبارية العيد: ((إن الهيكل الكلي النقاوة... اليوم تدخل إلى بيت الرب وتدخل معها النعمة التي بالروح الإلهي فتسبحها ملائكة الله لأنها هي المظلة السماوية)). هذا يتجاوب مع القراءات التي هي محور العيد ومنا نتبيّن معناه. فالقراءة الأولى وهي مصوغة من بعض الاصحاص الأربعين من الخروج تتكلم عن تكريس موسى لمسكن خيمة الاجتماع وتنتهي بقوله: ((ثم غطت السحابة خيمة الاجتماع وملأ مجد الرب المسكن فلم يستطع موسى أن يدخل خيمة الاجتماع لأن السحابة حلت عليها ومجد الرب قد ملأ المسكن)). 
وجليّ أن السحابة رمز لحضرة الله. وانطباق الكلام على مريم في ذهن الكنيسة يشير إلى إيمان هذه بأن السيدة البتول إنما هي مقر لحضرة الله وأن كنيسة العهد الجديد من هذا القبيل كمسكن الله مع الناس تحققت فيها كما ستتحقق كلياً في اليوم الأخير عندما تُقدم الكنيسة العروس للحمل الإلهي. الفكرة نفسها نجدها في القراءة الثانية (3 ملوك 8: 1 – 11) الخاصة بتكريس سليمان للهيكل والمنتهية هكذا: ((وكان لما خرج الكهنة من القدس أن السحاب ملأ بيت الرب ولم يستطع الكهنة أن يقفوا للخدمة بسبب السحاب لأن مجد الرب ملأ بيت الرب)).
القراءة الثالثة من حزيقال (43: 27 – 44: 5). رؤية باب الهيكل المغلق تنتهي بقوله: ((فنظرت وغذا بمجد الرب قد ملأ بيت الرب)). مريم المسكن فكرة أيّدها إنجيل لوقا عندما قال: ((الروح القس يأتي عليك وقوة العلي تظللك)). فمن لفظة ((شكن)) العبرية وهي سكن بالعربية اشتقت لفظة المسكن الذي تستقر فيه الـ ((شكينا)) أي حضرة الله.
وهذا المصدر العبري نقل إلى التوراة اليونانية بكلمة ((إبيسكازين Episkiazien)) التي استعملها لوقا بقوله ((تظللك)). إن عند لوقا قصد الربط بين مريم ومظلة العهد القديم لأنه استعمل المصدر نفسه في سرده لحادثة التجلي حيث تكلم الصوت عن السحابة المظللة لجسد يسوع (9: 34) وكان هذا جواباً لبطرس الذي أراد ثلاث مظال وكأن البشير يريد أن يقول: لا، المظلة الوحيدة هي التي فوقها السحابة، هي جسد الرب.

مريم المسكن تتطلع إلى سر الميلاد. ولذلك ليس من الغريب أن ترتل للمرة الأولى كاطافاسيات الميلاد في 21 تشرين الثاني فتعاد حتى العيد. وهكذا تهيئنا الكنيسة المقدسة لظهور الله في الجسد منذ ظهور والدته الكلية القداسة في هيكل الله. لقد باشر السيد خدمته في هيكل الدنيا وهو منذ لحظة نشوء ناسوته متكرس لأبيه. من هذا المنظار عيد الدخول هذا عيد للرهبانية لأنها تمثل في الكنيسة، على أكمل وجه، عطاء لا يسترد. هو بالنسبة للجميع عيد تجديد الولاء للمسيح، عيد نستوعب فيه نذر المعمودية وكل عهد ارتبطنا به ضمن عهد الدم المهراق ((عنّا وعن الكثيرين لمغفرة الخطايا)).

تاريخ العيد
يعود ترتيب هذا العيد إلى أواخر القرن السابع أو أوائل القرن الثامن، كما قلنا سابقاً، ويبدو أنه اعتمد في القسطنطينية في القرن الثامن أيام البطريرك طراسيوس. وأقوال بطريركي القسطنطينية جرمانوس وطراسيوس في هذا العيد مأثورة وشهيرة. وقد صنّف له، في القرن التاسع، جاوجيوس النيقوديمي وباسيليوس المكدوني نشائد لا تزال ترتل في الكنيسة إلى يومنا، وهي القانونان الأول والثاني في صلاة السحر. أما سمعان ميتافرست وهو من رجال القرن العاشر فقد قال إن هذا العيد رتّب لأول مرة في القسطنطينية سنة 730.

مع محبتي للجميع بالمسيح ربنا آمين
كل عام و الجميع بألف خير
سامر يوسف الياس مصلح
بيت ساحور 04/12/2013
آمـيــن.

ليست هناك تعليقات: