أرشيف المدونة الإلكترونية

السبت، 7 يوليو 2012

الأحد الخامس بعد العنصرة





ما أعظم أعمالك يا ربّ كلّها بحكمةٍ صنعت
ستيخن: باركي يا نفسي الربِّ
فصلٌ من رسالةِ القديسِ بولسَ الرسولِ إلى أهلِ رومية


يا إخوة إن بغيةَ قلبي وابتهالي إلى اللهِ هما لأجلِ إسرائيلَ لخلاصهِ. فإني أشهدُ لهم أنّ فيهم غَيرةً للهِ إلا أنها ليست عن معرفةٍ. لأنهم إذ كانوا يجهلونَ برَّ اللهِ ويطلبون أن يُقيموا برَّ أنفسِهم لم يخضعوا لبرِّ الله. إنما غايةُ الناموس بأنَّ الإنسانَ الذي يعمل هذه الأشياءَ سيحيا فيها. أما البرُّ الذي من الإيمان فهكذا يقولُ فيهِ لا تقُلْ في قلبِكَ مَن يصعَدُ إلى السماء، أي ليُنزلَ المسيح. أو مَن يهبطُ إلى الهاوية، أي ليُصعِدَ المسيح من بين الأموات. لكن ماذا يقول إن الكلمةَ قريبةٌ منكَ في فمِكَ وفي قلبِكَ أي كلمةَ الإيمان التي نبشرُ نحنُ بها. لأنكَ إن اعترَفتَ بفمِكَ بالربِّ يسوعَ وآمنتَ بقلبِكَ إن اللهَ قد أقامه من بين الأموات فإنكَ تخلُص. لأنهُ بالقلب يؤمَن للبرّ وبالفمِ يُعترفُ للخلاص


إنجيل الأحد الخامس بعد العنصرة
فصل شريف من بشارة القديس متى البشير

في ذلك الزمان لما جاءَ يسوع إلى كورة الجرجسيين استقبله مجنونان خارجان من القبور شرسان جداًّ. حتى أنه لم يكن أحد يقدر أن يجتاز من تلك الطريق، فصاحا قائلَين ما لنا ولك يا يسوع ابن الله أَجئت إلى ههنا قبل الزمان لتعذبنا، وكان بعيداً منهم قطيع خنازير كثيرة ترعى. فأخذ الشياطين يطلبون إليه قائلين إن كنت تخرجنا فأذن لنا أن نذهب إلى قطيع الخنازير، فقال لهم أذهبوا، فخرجوا وذهبوا إلى قطيع الخنازير. فإذا بالقطيع كله وثب عن الجرف إلى البحر ومات في المياه، أما الرعاة فهربوا ومضوا إلى المدينة وأخبروا بكل شيءٍ و بأمر المجنونَين، فخرجت المدينة كلها للقاء يسوع. ولما رأوه طلبوا إليه يتحول عن تخومهم، فدخل السفينة واجتاز وجاءَ إلى مدينته



يذكر معلّمنا متّى البشير أن السيّد المسيح بعد عبوره إلى البرّ شفى مجنونين بكورة الجرجسيّين، بينما يذكر معلّمنا مرقس (5: 1) ومعلّمنا لوقا (8: 26) أنه شفى مجنونًا بكورة الجدريّين، فهل هما حدث واحد أم أكثر؟
إذ يكتب معلّمنا متّى لليهود ذكر "كورة الجرجسيّين" محدّدًا المدينة وهي "جرجسة"، التي تقع على الشاطئ الشرقي لبحر الجليل، وهي لا تزال خرائب تعرف باسم "كرسة" مقابل مجدلة على مسافة خمسة أميال من دخول الأردن إلى البحيرة. وهناك بين وادي سمك ووادي فيق حيث تقترب الهضاب إلى البحر ممّا يسهل لقطيع الخنازير أن يندفع مهرولاً إلى البحر. أمّا القدّيسان مرقس ولوقا فإذ هما يكتبان للأمم لم يهتمّا بالبلدة وإنما باسم المقاطعة كلها "كورة الجدريّين".
ويبدو أن أحد المجنونين كان شخصيّة معروفة هناك، وأن جنونه كان شديدًا بطريقة واضحة فاهتم به القدّيسان لوقا ومرقس متجاهلين المجنون الآخر.
بعد معجزة تهدئة الأمواج وإنقاذ السفينة التي هي الكنيسة قام السيّد بإنقاذ هذين المجنونين، وهما يشيران إلى عنف سطوة الشيطان على الإنسان، روحًا وجسدًا. كان المجنونان الخارجان من القبور يشيران إلى الروح والجسد، وقد خضعا لحالة من الموت بسبب الخطيّة، فقط ملك الشيطان على الروح، ففقدت شركتها مع الله، أي فقدت سرّ حياتها.
وملك الشيطان على الجسد، ففقد سلامه مع الروح، وانحلّ بعيدًا عن غايته، فصارت دوافعه وأحاسيسه منصبّة نحو الذات، يطلب المتعة الوقتيّة. هذا هو فعل الخطيّة، أنها تدفن الروح والجسد كما في القبور، ويصير الإنسان كما في حالة هياج شديد لا يعرف السلام له موضع فيه، بل ولا يترك الآخرين يعبرون الطريق الملوكي. يتعثّر الآخرين، فلا ينعم بالحياة الحقيقية ويحرم الآخرين منها.
مجرّد عبور السيّد في الطريق فضح ضعف الخطيّة وأذل الشيطان الذي صرخ على لسان المجنونين: "مالنا لك يا يسوع ابن الله، أجئت إلى هنا قبل الوقت لتعذّبنا؟" هذا هو طريق خلاصنا من سلطان إبليس أن يعبّر بنا المسيّا المخلّص، الذي وحده يقيمنا من قبورنا ويحرّرنا من سلطان الخطيّة. يقول القدّيس جيروم: [إذ رأت الشيّاطين المسيح على الأرض ظنّوا أنه جاء يحاكمهم! وجود المخلّص في ذاته هو عذاب للشيّاطين.]
ربّما يتساءل البعض: لماذا سمح الله للشيّاطين أن تذهب إلى قطيع الخنازير؟ ما ذنب هذه الخليقة؟ وما ذنب أصحابها؟


أولاً: لم تحتمل الخنازير دخول الشيّاطين بل سقط القطيع كلّه مندفعًا إلى البحر ومات في الحال، وكأن السيّد أراد أن يوضّح عنف الشيّاطين، فما حدث للمجنونين كان أقل بكثير ممّا حدث للخنازير... معلنًا أن الله لم يسمح للشيّاطين أن تؤذي المجنونين إلا في حدود معيّنة.
يُعلن القدّيس يوحنا الذهبي الفم على ما حدث للخنازير عندما دخلتها الشيّاطين، قائلاً: [هكذا تفعل الشيّاطين عندما تسيطر! هذا مع أن الخنازير بالنسبة للشيّاطين ليست ذات أهمّية، أمّا نحن فبالنسبة لهم توجد بيننا وبينهم حرب بلا هوادة، ومعركة بلا حدود، وكراهيّة بلا نهاية. فإن كان بالنسبة للخنازير التي ليس بينهم وبينها شيء هكذا لم تحتمل الشيّاطين أن تتركها ولا واحدة منها، فكم بالأكثر تصنع بنا ونحن أعداء لهم... ماذا يصنعون بنا لو كنّا تحت سيطرتهم؟! أيِّ مضارٍ شديدة لا يحدقوننا بها!! لهذا سمح الرب لهم أن يدخلوا قطيع الخنازير حتى نتعلّم عن شرّهم بما فعلوه بأجساد الحيوانات غير العاقلة، ونعرف ما يحدث لمن تمتلكهم الشيّاطين... إنه يحدث لهم ما حدث مع الخنازير.]


ثانيًا: أعلن السيّد بتصرّفه هذا تقييمه للنفس البشريّة، فهو مستعد أن يترك قطيع الخنازير يهلك من أجل إنقاذ شخصين!
وكما يقول القدّيس جيروم: [ليخز ماني القائل بأن أرواح الناس والبهائم واحدة من نفس العنصر... إذ كيف يكون خلاص رجل واحد على حساب غرق ألفين من الخنازير!]
ثالثًا: أظهر الرب عنايته بخليقته فإنه لن تستطيع الأرواح الشرّيرة أن تدخل حتى في الخنازير بدون استئذانه. يقول القدّيس سيرينوس: [إن كان ليس لديهم سلطانًا أن يدخلوا الحيوانات النجسة العجم إلا بسماح من الله، فكم بالأحرى يعجزون عن الدخول في الإنسان المخلوق على صورة الله!]

ويقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم: [إننا نستطيع من أمر إخراج الشيّاطين أن نُدرك كِلا الأمرين: حنوّ الله، وشرّ الشيّاطين. شرّ الشيّاطين بإقلاقهم نفسي المجنونين، وحنوّ الله عندما صدّ عنهما الشيّاطين القاسية ومنعهم. فالشيطان الذي وجد له مسكنًا في المجنون، رغب أن يؤذيه بكل قوّته، لكن الله لم يسمح له أن يستخدم كل قوّته بكاملها... بل ألزمه بالفضيحة بقوّة بعودة الإنسان إلى حواسه، وظهور الشرّ بما حدث في أمر الخنازير.]


رابعًا: ربّما سمح الله بذلك تأديبًا لأصحاب الخنازير، إذ كانت تربيتها ممنوعة حسب الناموس.
أما ثمرة هذا العمل الإلهي هو إنقاذ المجنونين، ولكن للأسف لم يحتمل أهل الكورة الخسارة الماديّة، فطردوا رب المجد من كورتهم. وكما يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم [إن اللذين سقطا تحت سلطان الأرواح الشرّيرة أمكن خلاصهما منها بسهولة، أمّا الطامعون (أصحاب الخنازير) فلم يقدروا أن يحتملوا السيّد ولا أطاعوا وصيّته. الساقطون تحت سيطرة الأرواح الشرّيرة يستحقّون عطفنا ودموعنا، أمّا الساقطون تحت الطمع فهم أكثر منهم مرارة!]






وإن كان القدّيس جيروم يرى في تصرّف أهل الكورة تواضعًا إذ حسبوا أرضهم ليست أهلاً لوجود السيّد عليها، ذلك كما طلب بطرس الرسول من السيّد أن يخرج من سفينته


مع محبتي بالمسيح ربنا آمين
كل عام و الجميع بألف خير
سامر يوسف الياس مصلح
بيت ساحور - 08-07-2012

ليست هناك تعليقات: