أرشيف المدونة الإلكترونية

السبت، 21 أبريل 2012

أحد القديس توما - الأحد الجديد

تشكل القيامة مركز أعياد الكنيسة الأرثوذكسية وفيها نذوق طعم الفرح الحقيقي لأن فيها غلب المسيح الموت ودعانا أن نكون معه من الظافرين، بدونها لا يوجد معنى لأي عيد وهي أساس إيماننا بالمسيح كإله حقيقي وعليها يستند وجودنا كأبناء لله وأعضاء في جسده، الكنيسة.

تأخذ القيامة شكل حدث تاريخي يُعاش في الكنيسة يومياً وليس لمرة واحدة، أثبته المسيح بظهوره عدة مرات ولعديدين بعد قيامته، وبذلك أزال كل شكّ بحدوثها.

حدث ظهور المسيح للتلاميذ مرتين، الأول بدون توما الرسول والثاني بحضوره، وتم الظهور الثاني لكي يؤكد لتوما ولنا جميعاً أن القيامة تمت، فيبدد أي شك بحدوثها.

يقول القديس يوحنا الإنجيلي عن الظهور الثاني للمسيح للتلاميذ وبحضور توما الرسول: “وبعد ثمانية أيام كان تلاميذه أيضاً داخلاً وتوما معهم فجاء يسوع والأبواب مغلقة، ووقف في الوسط وقال: سلام لكم. ثم قال لتوما: هات إصبعك إلى هنا وأبصر يديّ، وهات يدك وضعها في جنبي، ولا تكن غير مؤمن بل مؤمناً” (يو26:20-27)

حضور المسيح هام وهو عمل محبة اتجاه التلميذ الذي شك، هو لم يرد أن يبقيه على شكّه فطالبه فوراً أن يضع يده في جنبه المجروح كي يتأكد أن المسيح القائم هو ذاته الذي صلب، من جهة يستحق المسيح أن نقدم له المحبة وأن نبادر نحوه دوماً، ولكنه أحياناً يسارع كي يقدّمها فيسبقنا، وفي حالة اليوم تم ذلك عندما شك توما وطلب أن يراه مثل بقية الرسل، حضر أمام التلاميذ وتوما معهم وتوجه نحو توما متحدثاً وطالباً منه أن يضع إصبعه في جنبه كي يزول الشك، وعندها صرخ مؤمناً “ربي وإلهي” وهكذا نجد أن تثبيت إيمان توما بقيامة المسيح اقتضى حضوره جسدياً وحديثه معه ليرى الجنب المطعون.
جواب توما هام جداً لأنه مليء بمحبة للسيد واعترافاً منه بإلوهيته: “أجاب توما و قال له: ربي و الهي” (يو28:20)، هكذا امتلئ توما بالفرح والإيمان بحضور السيد.

عندما يشك أي واحد منا عليه أن لا ييأس بل أن يصرخ مع توما “ربي وإلهي” وليبحث عن الجنب المطعون الذي نبع منه الماء والخمر، إذا كان هذا الجنب ثبّت إيمان الرسول مرّة فإنه بالماء أي المعمودية والخمر أي دم المسيح الذين يخرجان من جسد المسيح نستطيع أن نبقي إيماننا ثابتاً، فالحدث الذي تم مرة في التاريخ مع توما يتكرر معنا يومياً بسبب ضعفنا ولن نتجاوزه إلا الذي استطعنا رؤية الماء والخمر النابعان من المسيح في الكنيسة.

أحبائي حدث القيامة هو حدث تاريخي كبير إنما تجاوز كل التاريخ وكل الأحداث، أكده التلاميذ عندما رأوا السيد وتكلموا وأكلوا وتمشّوا معه جنباً لجنب، وكل ذلك كان هبة من السيد ليثبت إيمان تلاميذه.

نعيش في هذه الفترة فرح القيامة ونقول منادين بعضنا “المسيح قام” عارفين الشهادات الكثيرة حول قيامة المسيح وخصوصاً اعتراف توما الرسول، فيدعون السيد أن نعيشها داخلياً معترفين بأنه سيدنا وإلهنا.

الاحد الجديد اى الاحد الاول بعد القيامة (ثامن يوم بعد القيامة) اذ بقيامة الرب من الاموات (الاشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديدا) (2 كو 5: 17).. فيه ظهر الرب بعد قيامته مرة اخرى لتلاميذه والابواب مغلقة كما سبق ان ولد من العذراء مريم وبتوليتها مختومة، وكما قام من بين الاموات بقوة لاهوتية والقبر مختوم.

ومن الشخصيات البارزة هنا في هذا الظهور توما احد تلاميذه، اذ كان معهم هذه المرة فاراد السيد المسيح ان يزيل شكوكه لذا اول شئ اراه اثر المسامير والحربة فللوقت آمن قائلا: (ربى والهى)!

عجيب انت يا رب فتريد ان تقطع كل شكوك بنفسك اذ ظهرت لاثنين من تلاميذك كانا منطلقين إلى قرية عمواس وسرت معهما طوال الطريق انفتحت أعينهما وعرفاك حق المعرفة (لو 24: 13: 35) ايضا ظهرت لبعض تلاميذك على بحر طبرية واكلت معهم سمكا مشويا وخبزا (يو 21: 1 – 14) وقد ظهر الرب بعد القيامة ظهورات كثيرة منهما:


ظهر لبعض النسوة (مت 28: 9 – 10) ولسبعة من الرسل على شاطئ بحر الجليل (يو 21: 1- 14). وللتلميذين المنطلقين إلى عمواس (مر 16: 12، لو 20: 19) وللتلاميذ (يو 20: 19).. للتلاميذ ومعهم توما (يو 20: 26) لخمسمائة اخ (1 كو 15: 6)، لتلاميذه يوم الاربعين (لو 24: 36).. هذا ما عدا ظهوراته الاخرى طيلة الاربعين يوما قبل صعوده إلى السماء.


كان اول شيء يقوله السيد المسيح لتلاميذه عند ظهوره لهم (سلام لكم) كما سبق ان علم تلاميذه قائلا (اى بيت دخلتموه فقولوا اولا سلام لهذا البيت فان كان هناك ابن السلام يحل سلامكم عليه) (لو 10: 5 – 6) فهو الذي طوب صانعى السلام (طوبى لصانعى السلام لانهم ابناء الله يدعون) (متى 5: 9).. كما ترنمت الملائكة عند ميلاده قائله (المجد لله في الاعالى وعلى الارض السلام وبالناس المسرة) (لو 2: 14).. الذي في سلام مع نفسه هو في سلام مع الناس وفي سلام مع الله متمتعا باله السلام في داخله.. وفي هذا الصدد يقول القديس مار اسحق: "اصطلح مع نفسك تصطلح معك السماء والارض".

السيد المسيح لم يوبخ توما أو ينتهره في شكه هذا ولكن في حنو واشفاق نظر اليه ووهبه قوة الايمان (لانه يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون) (1 تى 2: 5).. سمح الله لتوما ان يضع يده في جنبه فكم كان موضع الحربة متسعا حتى يكفى لان يضع توما يده فيه.. ايضا يلمس اثر الجراح التي للمسامير في يديه ورجليه ليزيل شكوكه فيعترف من عمق قلبه قائلا (ربى والهى)..


ان شك توما كان ذا اهمية، فالسيد المسيح ابقى اثر المسامير والحربة، ومازالت لتكون برهانا ساطعا وستظل تؤكد ان الابن الكلمة هو الذي صلب وقبر ثم قام.. بجانب هذا نستطيع ان نقول انه لا يكفى ان يكون الرب معنا ولكن ان نحس ايضا بوجوده فينا كل حين، فلقد كان مع تلميذى عمواس طوال الطريق يتحدث معهما ولكن أمسكت أعينهما عن معرفته (لو 24: 16) ايضا ظهر لمريم المجدلية ولكنها فالتفتت وقالت له: ربونى الذي تفسيره يا معلم (يو 20: 11 – 18).

أعطانا الرب الهنا ان نكون متجددين بالتوبة في كل وقت (تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم لتختبروا ما هى ارادة الله الصالحة المرضية الكاملة) (رو 12: 2) شاخصين إلى جراحاته التي كانت لاجلنا تاركين كل ما هو ارضى، راجين في ايمان ثابت راسخ التمتع الدائم بقيامته الممجدة في ملكوته السمائى متذكرين قول معلمنا بولس الرسول (ان كنتم قد قمتم مع السيد فاطلبوا ما هو فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله) (كو 3: 1).

مع محبتي للجميع بالمسيح ربنا آمين
كل عام و الجميع بألف خير
سامر يوسف الياس مصلح
بيت ساحور - 22-04-2012

ليست هناك تعليقات: