أرشيف المدونة الإلكترونية

السبت، 17 مارس 2012

الأحد الثالث من الصوم

أحد السجود للصليب الكريم (الأحد الثالث من الصوم)
----------------------------------------------
في منتصف الصوم، تنصب الكنيسة أمامنا صليب المسيح. وتفعل ذلك مرتين أخريين في السنة، في 14 أيلول وأول آب، معيدة الصليب إلى ذاكرتنا وتكريمنا. وفي هذين العيدين يرتبط السجود للصليب بحوادث تاريخية (18). أمّا تذكار الصليب في الأحد الثالث من الصوم، فيستدعي فقط إيماننا وتقوانا، إذ يدور الأمر حول الجهر بدور الصليب في تاريخ الخلاص وحول استعدادنا لرؤية هذا الصليب الذي سيقام يوم الجمعة العظيم على الجلجلة التي ما زالت بعيدة.

خلال صلاة السَحَر، نحو نهاية الذكصولوجية الكبرى، يضع الكاهن صليباً على طبق مزيّن بالزهور. وإذ يحمل الصليب فوق رأسه، يخرج من الهيكل، تتقدمه شموع مضاءة وبخور. عندما يصل إلى وسط الكنيسة، يضع الصليب على طاولة، ثم يبخره وترنم الجوقة: لصليبك يا سيّدنا نسجد ولقيامتك المقدسة نمجّد). ثم يأتي الشعب ليقبّل الصليب الذي يبقى معروضاً هكذا في وسط الكنيسة خلال العيد كله.


وتعبّر الترنيمة التالية من صلاة السَحَر تعبيراً جيداً عن معنى هذا العيد:
(إذ نشاهد اليوم صليب المسيح الكريم موضوعاً، فلنسجد له بإيمان فرحين، ونعانقه بشوق، مبتهلين إلى الرب الذي صُلب عليه بمشيئته، أن يؤهلنا جميعاً للسجود للصليب الكريم وأن نبلغ نهار القيامة جميعاً ونحن لا دينونة علينا).
تحثنا الرسالة التي تتلى في القداس (عبر 14:4- 6:5) أن نُقبل بثقة إلى عرش النعمة لننال غفران خطايانا بما أن يسوع هو كاهننا العظيم. (فإن الحبر الذي لنا ليس ممن لا يستطيع أن يرثي لأمراضنا: بل قد جُرِّب في كل شيء مثلنا ما خلا الخطيئة).



ويذكرنا الإنجيل (مرقس 34:8- 1:9) بكلمات المعلّم الهامة والملحاح: (من أراد أن يتبعني، فليفكر بنفسه ويحمل صليبه ويتبعني، لأن الذي يريد أن يخلّص نفسه يفقدها، وأمّا الذي يفقد نفسه من أجلي ومن أجل البشارة فإنه يجدها). هل أنا مستعد أن أتبع المسيح حاملاً الصليب (لا الصليب الذي أكون قد اخترته بل الصليب الذي يضعه هو نفسه على كاهلي ؟) هل أنا مستعد أن أقبل جميع المِحَنْ أو الآلام التي يمكن أن تطرأ عليّ، كاشتراك في صليب المخلّص؟ عندما أدنو بعد هنيهة من الصليب المعروض في وسط الكنيسة وأقبلّه، أستكون قبلتي قبلة خاطئ غير تائب، قبلة يهوذا، أم حركة احترام سطحية لا تغيّر شيئاً في حياتي، أم علامة سجود وإيمان وحنان تُلزم وجودي برمته ؟



إن إنجيل هذا اليوم ينتهي بهذه العبارة: (الحق أقول لكم: في جملة الحضور ههنا من لا يذوقون الموت، حتى يشاهدوا ملكوت الله آتياً بقوة). فليس المقصود هنا مجيء المسيح الثاني المجيد، في نهاية العالم. المقصود هو مجيء المسيح بقوة، الذي تم في العنصرة وكان الجيل المسيحي الأول شاهداً له. لكن المقصود أيضاً هو مجيء غير منظور، غير مشهدي للملكوت في النفوس المؤمنة الورعة. حبذا لو يكون مصيري الشخصي هكذا، حبذا لو أن الموت لا يدركني دون أن يتمكن ملك يسوع من نفسي.



“من أراد أن يخلّص نفسه يهلكها، ومن يهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل فهو يخلّصها”

“من أراد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني”، من وراء هذه الكلمات يدعونا السيد إلى الحرية. الحرية من عبودية ذاتنا وأهوائنا وكبريائنا. على الإنسان أن يتعب جداً للحصول على الغنى الروحي، فالبعض يبتعد عن الزنى أو السرقة أو الجشع أو أي شيء سيء، فيظنون أنهم بذلك يرتاحون، ولكنهم لم يعالجوا أسباب الخطيئة فيبقى في داخلهم مثلاً الكبرياء الذي يخرج منه الكثير من الخطايا.


شاهد أحد الإخوة المصلّين رؤية بأن قوة سماوية نقلته نحو السماء وشاهد أورشليم السماوية ببهائها الغير الموصوف، ولكن في الوقت ذاته شعر بعزة نفس وكبرياء بما شاهد فسقط في وادي شديد الظلام والسوء. المهم أن نذهب وراء الخطيئة إلى الأهواء لننزعها حتى نشفى.

محاربة الذات
كيف يمكن للواحد منا أن يحارب ذاته؟ الجواب سهل وواضح، يمكننا أن نحارب أنفسنا عندما نرفض طلباتها ورغباتها الصغيرة ثم الكبيرة. ينصح الآباء القديسون أن نبدأ بالأمور الصغيرة ولا نهملها، يقول القديس أفرام السرياني: “كيف يمكننا إطفاء النار الكبيرة ونحن لا نستطيع إطفاء الصغيرة؟، أتريد أن تتخلص من الأهواء الكبيرة؟ تعلّم أن تتغلب على الصغير منها”.

أنواع البشر
هناك ثلاثة أنواع من البشر: الجسدانيون، الذين يريدون أن يحيوا راضين ذواتهم ولو اضطرهم الأمر أن يؤذوا الآخرين، النفسانيون، الذين يريدون أن يحيوا من أجل ذواتهم ومن أجل الآخرين، الروحانيون، الذين يريدون أن يعيشوا كما يشاء الله ولو كان هذا متعباً. الفئة الأولى هي أدنى من مستوى الإنسان الطبيعي، أما الفئة الثانية فتشمل الناس العاديون، أما الفئة الثالثة فتشمل الناس الفوق الطبيعة، أي حياتهم من حياة المسيح الممتلئة صلباناً وأتعاباً.

صليب المسيح
الصليب هو رأس الحكمة البشرية من لله، التي تخلص العالم من اليأس والجهل والتمزّق والخصام. عندما أرتفع السيد على الصليب صلب خطايانا وأصنامنا، شفانا من ضعفنا ومن أهوائنا، أنار ظلمتنا، علّمنا رفض الخطيئة الذي به سنسلك طريق الحرية.

كلام السيد اليوم ليس إلا دعوة شخصية، لنفكر بها ولنرفع صليبنا مرتلين: “صليبك يا سيد، أعطى الحياة والقيامة لشعبك”. أما الرافضين لرفع الصليب فلن يستطيعوا الهرب من عبودية الأهواء والفساد الجسدي. “لان من يزرع لجسده فمن الجسد يحصد فساداً. ومن يزرع للروح فمن الروح يحصد حياةً أبديةً” (غلا8:6)، “لأنه إن عشتم حسب الجسد فستموتون. ولكن إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون” (رو13:8).

مع محبتي للجميع بالمسيح ربنا آمين
كل عام و الجميع بألف خير
لصليبك يا سيدنا نسجد و لقيامتك المقدسة نمجد
سامر يوسف الياس مصلح
بيت ساحور - 18/03/2012

ليست هناك تعليقات: