أرشيف المدونة الإلكترونية

الجمعة، 2 مارس 2012

أحد الأرثوذكسية

أحد الأرثوذكسية
كانت تشير كلمة الأرثوذكسية عندما تأسس هذا العيد عام 842, إلى هزيمة محاربة الأيقونات, فعني بأرثوذكسية مجموع العقائد المقبولة في الكنائس التي تقيم الشركة مع القسطنطينية. وكان يقرأ في هذا الأحد في الكنائس, مستند رسمي, اسمه "السينوذيكون" الذي كان يحرّم كل الهراطقة بأسمائهم. واعتبر المسيحيين أن يجاهر الإنسان بعقيدته واجباً وحاجةً. وفي أيامنا يتم التكلم بمحبة أكبر عن الذين يضلون واستنباط ما هو جانب الصواب وما هو جانب الضلال في تفكيرهم. ولا يمكن أن تعني الاهتمامات المسكونية, تخلياً عن عقائدها الأساسية أو إنقاصاً لها. ويلزم تشذيب حقل الأرثوذكسية من الأعشاب الداخلية وعدم انتهاك حرمة النعت "أرثوذكسي" بتطبيقه على ما يمكن أن يكون خرافة أو فضول كلامي.


إن النصوص المتلوة أو المرنمة في صلاتي مساء وسحر هذا الأحد تلح على حقيقة التجسد. فالمسيح المتجسد هو الصورة الجوهرية, المثال الأصلي لجميع الصور. وتعبر بعض جمل التريودي عن المعني العميق لإكرام الأيقونات.

كان القديسون الممجدون صوراً حيةً لله وإن كانت غير كاملة. لقد كانوا صوراً مضعفة للصورة الإلهية الحقيقية, التي هي المسيح. وأثناء قداس هذا الأحد, نسمع الكاتب الملهم في ما يتلى من الرسالة إلى العبرانيين, يصف آلام موسى وداود وآباء إسرائيل وشهدائه. هؤلاء كانوا صوراً مرسومة, لا على الخشب بل في الجسد. وكانوا يرمزن إلى الأيقونة النهائية, شخص المخلص وينبئون به.



نرى الرسول فيلبس يقود نثنائيل إلى يسوع الذي سيصير هو أيضاً تلميذاً. نقطة انعطاف في حياة نثنائيل, ولقد وجدت في حياة كل منا, اللحظة أو اللحظات التي كنا فيها "تحت التينة", لحظات عصيبة, كان يرانا فيها يسوع, دون أن يكون هو نفسه مرئياً, ويتدخل أقبلنا هذا التدخل أو رفضناه؟ فنتذكر هذه اللحظات...لنعبد هذه التدخلات الإلهية. لكن لا نتوقف عندها. لنبق مستعدين للنعمة الجديدة, للرؤية الجديدة, لأن حياة التلميذ, إن كانت أصيلة, ترتقي من ضياء إلى ضياء. إن عالم الملائكة ليس أقل قرباً منا ولا أقل محبة لنا من عالم البشر.

في هذا اليوم الذي هو الأحد الأول من الصوم نصنع تذكار تعليق الأيقونات المقدسة الجليلة الذي حصل من ملكي القسطنطينية الدائمي الذكر مخائيل وأمه ثاوذوره على عهد البطريرك ميثوديوس القديس المعترف.

تعيّد الكنيسة في الأحد الأول من الصوم للأرثوذكسية، ويسمى أحد الأرثوذكسية، وبه ترفع الأيقونات المقدسة معلنة الإيمان المستقيم، هذه الاستقامة ترتبط بالإيمان في الحياة الحاضرة والحياة الثانية، والتي بدورها ترتبط بالرجاء بيسوع المسيح.


في هذا اليوم نعيّد لرفع الأيقونات المقدسة، وعيد الأيقونة هو عيد الإنسان الذي هو على صورة الله. وفيه نشهد أن الكنيسة مكان للحياة الفصحية، يسعى أبناؤها للوصول للفصح، الغير المنتهي، ويكون ذلك من خلال عيش الافخارستيا، فتدعوا الكنيسة بالصلاة كل البشرية أن تأخذ مكاناً في محبة الله الغير المحدودة. وفي هذا العيش نشهد أن لدى الإنسان دعوة ونعمة تأخذه من هذا العالم، أي يعيش فيه وهو ليس منه، وتعطيه قوة كي يتغير نحو الأفضل، ونشهد أيضاً أن الله هو فرح وحرية وحياة الإنسان، الذي بدوره يعرف الله بالمحبة، مُتْحِداً ذاته وقلبه مع المسيح أي “قلب الكنيسة” كما يقول نيقولاوس كباسيلاس.


الكنيسة جسد المسيح
عند التكلم عن الأرثوذكسية فحُكماً سنتطّرق للإيمان والحياة مع الله، لكن هل من الممكن وصف الشركة في سر الله، في العيش مع الله، بأنها ممكنة رغم سقوط الإنسان وخطاياه؟. طبعاً ممكن، لأن محاولة العيش والشركة مع الله تحتاج إلى نقاوة، وبالعيش في الكنيسة يمكن الحصول على النقاوة وبالتالي الوصول لهذه الشركة المرجوة. يقول الأب جورج فلورفسكي: “يتعذر علينا تحديد تعريف للكنيسة، لأنه لا يوجد تعريف عقائدي ومباشر وواضح، فلا يمكن إيجاد هذا التعريف في الكتاب المقدس، ولا عند الآباء، ولا في قوانين المجامع المسكونية. باستثناء الاستشهاد بعبارة دستور الإيمان التي تتعلَّق بالكنيسة وإضافة بعض التفاسير بعبارة دستور الإيمان التي تتعلَّق بالكنيسة، بالتالي الكنيسة ليست شيء يمكن تعريفه أو دراسته بل أن نعيشه”.

الكنيسة، وفق القديس يوحنا الذهبي الفم، هي “الله والإنسان”. المسيح هو الذي يجمعنا في الكنيسة لأنه يدخلنا في جسده، وهو الكنيسة، وبذلك تصبح المكان الروحي لاجتماعنا. وبالتالي لا يمكن أن توجد كنيسة بدون يسوع الحقيقي، ولا يمكن أن تقوم على مجموعة فكرية حتى لو كان اسمها “مسيحية”. الكنيسة هي المسيح ذاته، المسيح بالكامل، بالتالي ليست جسد المسيحيين بل جسد المسيح.

تتجسد حقيقة كون الكنيسة جسد المسيح في نهاية القداس الإلهي عند اشتراك الجماعة المسيحية بجسد المسيح ودمه من الكأس المقدسة، ليصبح المسيح هو المركز الأساسي الذي ترتكز عليه في كل شيء، ونمثل هذه المركزية عندما يحضّر الكاهن الذبيحة الإلهية قبل القداس الإلهي فيضع الحمل في الوسط ومن يمينه قطعة لمريم العذراء وعلى يساره كل طغمات الملائكة والقديسين وفي الأمام يذكر الأحياء والأموات ليشكلوا كلهم أعضاء بجسد المسيح متحدين في القداس الإلهي. هكذا تتحقق شركة المؤمنين مع المسيح في الكأس المقدسة.

حياة المسيح
تفرض شركتنا مع المسيح أي الكنسية أمر واحد بأن تكون حياة المسيح هي حياتنا. وهذا يتحقق بعد جهاد طويل عندما لا نحيا نحن بل يحيا المسيح فينا. كل هذا الجهاد في الكنيسة يسمى بالتأله أو القداسة. وهذا ما يجب أن نسعى اليه في الكنيسة.


الدينونة
من الملاحظ، الأمر الأهم، أن الإنسان يرغب أن ينحرف عن طريقه القويم وبالتالي أصبحت خطيئة العالم عندما لم يعد يريد المسيح مركزاً له. قبول هذا الأمر، وخصوصاً إذا دخل حياة الإنسان في أعماقها ومن كل الجهات، يُبعده عن هدفه الأساسي في السعي للقداسة.

إذاً الدينونة في عالمنا الحالي أننا نحوله ليصبح عالماً غريباً لا تستطيع الكنيسة الأرثوذكسية أن تعيش به، ليكون لا عالماً حيادياً بل عالماً يريد أن يغير من جوهر الكنيسة ويحولها إلى شكل مختلف.

كانت تشير كلمة (الأرثوذكسية)، عندما تأسس هذا العيد عام 842، إلى هزيمة محاربة الأيقونات والجهر بشرعية إكرامها (15). وتوسّع معنى الكلمة فيما بعد، فعني بـ (أرثوذكسية) مجموعة العقائد المقبولة في الكنائس التي تقيم الشركة مع القسطنطينية. وكان يقرأ في هذا الأحد في الكنائس، مستند رسمي، اسمه (السينوذيكون) الذي كان يحرّم كل الهراطقة بأسمائهم.


ويتراءى أن المسيحيين البيزنطيين، في بدء الصوم، اعتبروا واجباً وحاجة أن يجاهر المرء بعقيدته. ويوجد في أيامنا، على الأرجح اهتمام أكبر مما كان عليه الأمر آنذاك، بالتكلم بمحبة عن الذين يضلّون واستنباط ما هو جانب الصواب وما هو جانب الضلال في تفكيرهم. لكنه كان من الحسن المفيد أن تؤكد الكنيسة (الأرثوذكسية) بدون مراوغة موقفها الذاتي. ولا يمكن أن تعني الاهتمامات المسكونية التي تشاطرها اليوم الأرثوذكسية وكنائس أخرى، تخلياً عن عقائدها الأساسية أو إنقاصاً لها. ومن جهة أخرى فإنه يلزم تشذيب حقل الأرثوذكسية من الأعشاب الداخلية وعدم انتهاك حرمة النعت (أرثوذكسي) بتطبيقه على ما يمكن أن يكون خرافة أو فضول كلامي.
إن النصوص المتلوة أو المرنمة في صلاتَيْ مساء وسَحَر هذا الأحد تلح على حقيقة التجسد. وفي الحقيقة، يؤلف مجيء المسيح في الجسد أساس إكرام الأيقونات. فالمسيح المتجسّد هو الصورة الجوهرية، المثال الأصلي لجميع الصُوَرْ. وتُعرب بعض جمل التريودي جيداً عن المعنى العميق لإكرام الأيقونات:


(حقاً أن كنيسة المسيح قد اتخذت زينة فائقة الإكرام بالأيقونات الشريفة المقدسة المختصة بالمسيح المخلّص وبوالدة الإله وجميع القديسين، المرفوعة اليوم بالحبور والبهجة، وبها تبتهج مشرقة بالنعمة... إذ نحفظ صورة من نعبده (أي المسيح) ونوقره لا نضل. فليتسربل الخزي والعار الذين لا يؤمنون هكذا لأن سجودنا بحسن عبادة – بغير تأليه لأيقونة المتجسد – هو مجد لنا).


كان القديسون الممجدون صُوَراً حيّة لله وإن كانت غير كاملة. لقد كانوا صُوَراً مضعفة للصورة الإلهية الحقيقية، التي هي المسيح. وأثناء قداس هذا الأحد، نسمع الكاتب الملهم (16) في ما يتلى من الرسالة إلى العبرانيين (24:11- 26، 32- 40) يصف آلام موسى وداود وآباء إسرائيل وشهدائه والذين (لم يكن العالم مستحقاً لهم)، الذين جُلدوا ونُشروا وقُتلوا بحد السيف، لكن إيمانهم غلب، مع ذلك، العالم. هؤلاء كانوا صُوَراً مرسومة، لا على الخشب بل في الجسد. وكانوا يرمزون إلى الأيقونة النهائية، شخص المخلّص، وينبئون بها.
إن إنجيل هذا اليوم لا علاقة مباشرة له بالأيقونات أو الأرثوذكسية. ففي التلاوة الإنجيلية (يوحنا 43:1- 51) نرى الرسول فيلبس يقود إلى يسوع نثنائيل الذي سيصير، هو أيضاً، تلميذاً. قال يسوع لنثنائيل: (قبل أن يدعوك فيلبس، حين كنت تحت التينة، رأيتك). وإذ قد هزّ هذا الإعلان نثنائيل، صرّح: (رابي، أنت ابن الله). فأجاب يسوع أن نثنائيل سيرى (أعظم من هذا)، أعظم من هذه الرؤية عن مسافة: (سترون السماء منفتحة، وملائكة الله صاعدين نازلين فوق ابن الإنسان).
تفتح هذه الكلمات حقلاً واسعاً لتأملنا. فلا نعرف ماذا كان يفعل نثنائيل أو بماذا كان يفكر عندما كان تحت التينة. أكانت ساعة تجربة، أو حيرة أو نعمة ؟ أو راحة فقط ؟ لكن يبدو أن الرب ما كان قد نوّه إلى هذا الحادث العرضي لو لم يكن لحظة حاسمة، نقطة انعطاف في حياة نثنائيل. ولقد وجدت في حياة كل منا، اللحظة أو اللحظات التي كنّا فيها (تحت التينة)، لحظات عصيبة، كان يرانا فيها يسوع، دون أن يكون هو نفسه مرئياً، ويتدخل أقبلنا هذا التدخل أو رفضناه ؟


فلنتذكر هذه اللحظات... لنعبد هذه التدخلات الإلهية. لكن لا نتوقف عندها. لا نقر أنفسنا على رؤية ماضية. (سترى أعظم من هذا). لنبق مستعدين للنعمة الجديدة، للرؤية الجديدة، لأن حياة التلميذ، إن كانت أصيلة، ترتقي من ضياء إلى ضياء. نستطيع أن نرى (السموات مفتوحة والملائكة صاعدين) نحو المخلّص أو نازلين فوقنا. إنها إشارة ثمينة إلى هذه الدالة على الملائكة، التي يجب أن تكون مألوفة لدينا. إن عالم الملائكة ليس أقل قرباً منّا ولا أقل محبة لنا من عالم البشر.

مع محبتي للجميع بالمسيح ربنا آمين
كل عام و الجميع بألف خير
سامر يوسف الياس مصلح
بيت ساحور 04-02-2012

ليست هناك تعليقات: