أرشيف المدونة الإلكترونية

الاثنين، 26 سبتمبر 2011

عيد رفع الصليب المقدس

تحتفل الكنيسة الأرثوذكسية بعيد الصليب المجيد في السابع و العشرين من أيلول (غربي) أي الرابع عشر من أيلول(شرقي) من كل عام.

لقد ظل الصليب مطمورا بفعل اليهود تحت تل من القمامة وذكر المؤرخون أن الامبراطور هوريان الرومانى (117 – 1038 م) أقام على هذا التل في عام 135 م هيكلا للزهرة الحامية لمدينة روما.. وفي عام 326م تم الكشف على الصليب المقدس بمعرفة الملكة هيلانة أم الامبراطور قسطنطين الكبير.. التي شجعها ابنها على ذلك فأرسل معها حوالى 3 الاف جندى، وفي اورشليم اجتمعت بالقديس مكاريوس أسقف أورشليم وأبدت له رغبتها في ذلك، وبعد جهد كبير أرشدها اليه أحد اليهود الذي كان طاعنا في لاسن.. فعثرت على 3 صلبان واللوحة التذكارية المكتوب عليها يسوع الناصري ملك اليهود واستطاعت أن تميز صليب المسيح بعد أن وضعت الاول والثانى على ميت فلم يقم، وأخيرا وضعت الثالث فقام لوقته.


فأخذت الصليب المقدس ولفته في حرير كثير الثمن ووضعته في خزانة من الفضة في أورشليم بترتيل وتسابيح كثيرة.. وأقامت كنيسة القيامة على مغارة الصليب وأودعته فيها، ولا تزال مغارة الصليب قائمة بكنيسة الصليب ... وأرسلت للبابا أثناسيوس بطريرك الاسكندرية فجاء، ودشن الكنيسة بأورشليم في احتفال عظيم عام 328م تقريبا.



أما أنا فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب يسوع المسيح

بعد هذا اصبح الصليب المقدس علامة الغلبة والافتخار بعد أن غلب به السيد المسيح الموت على الصليب فأتخذه الامبراطور قسطنطين الكبير علامة النصرة فى كل حربوبه، وبنى الكثير من الكنائس وابطل الكثير من عبادة الاوثان.. قيل أن هرقل أمبراطور الروم (610 – 641 م) اراد أن يرد الصليب إلى كنيسة القيامة بعد أن كان قد أستولى عليه الفرس، فأراد أن يحمله بنفسه فلبس الحلة الملوكية، وتوشح بوشاح الامبراطور، ولبس تاج الذهب المرصع بالاحجار الكريمة، ثم حمل الصليب على كتفه، ولما أقترب من باب الكنيسة ثقل عليه فلم يستطيع أن يدخل به ، فتقدم اليه أحد الكهنة وقال له: اذكر ايها الملك أن مولاك كان حاملا الصليب وعلى هامته المقدسة اكليلا من الشوك لا اكليلا من الذهب فلزم ان تخلع تاجك الذهبى وتنزع وشاحك الملوكى.. فعمل بالنصيحة ودخل الكنيسة بكل سهولة.

وفى رشمنا للصليب اعتراف بالثالوث الاقدس الاب والابن والروح القدس اعتراف بواحدانية الله كاله واحد، اعتراف بتجسد الابن الكلمة وحلوله في بطن العذراء، كما أنه اعتراف بعمل الفداء وانتقالنا به إلى اليمين. ايضا في رشم الصليب قوة لاخماد الشهوات وابطال سلطان الخطية.. وهكذا صارت الكنيسة ترسمه على حيطانها واعمدتها واوانيها وكتبها، وملابس الخدمة.... الخ.

يقول القديس كيرلس الاورشليمى: (ليتنا لا نخجل من طيب المسيح.. فأطبعه بوضوح على جبهتك فتهرب منك الشياطين مرتعبه اذ ترى فيه العلامة الملوكية.. اصنع هذه العلامة عندما تاكل وعندما تجلس وعندما تنام وعندما تنهض وعندما تتكلم وعندما تسير، وبأختصار ارسمها في كل تصرف لأن الذي صلب عليه ههنا في السموات..اذا لو بقى في القبر بعد صلبه ودفنه لكنا نستحى به..) انها علامة للمؤمنين ورعب للشياطين.. لأنهم عندما يرون الصليب يتذكرون المصلوب فيرتعبون.. برشم الصليب نأخذ قوة وبركة.. لا تخجل يا اخى من علامة الصليب فهو ينبوع الشجاعه والبركات وفيه نحيا ونوجد خليقة جديدة في المسيح.. ألبسه وآفتخر به كتاج.. ليس الصليب لنا مجرد إشارة فقط، بل معنى أعمق من هذا بكثير فهو يحمل شخصية المسيح الذي صلب عليه ويستمد قوته منه ولذا (فنحن نكرز بالمسيح مصلوبا) (1 كو 3: 2)..

لذا فحينما تقبل الصليب الذي بيد الكاهن للصليب إشارة إلى مصدر السلطان المعطى له من الله لاتمام الخدمة، فموسى النبى لما بسط يديه على شكل صليب انتصر، ولما رفع الحية النحاسية نجى الشعب، ولما ضرب الصخرة بالعصا قيل أنه ضربها على هيئة صليب فانفجر الماء منها. والآباء القديسون عملوا المعجزات وانتصروا وغلبوا بإشارة الصليب المقدس، ان المسيحيون استعملوا الصليب المقدس منذ أن بزغت الشمس المسيحية.


لا ترشم الصليب بعجلة.. فيقول الاباء: الذي يرشم ذاته بعلامة الصليب فى عجلة بلا اهتمام أو ترتيب فان الشياطين تفرح به، أما الذي في ثبات وروية يرشم ذاته بالصليب فهنا تحل عليه قوة الصليب وتفرح به الملائكة.. كذلك عندما يرشم المؤمن الصليب انما يعنى الاستعانة بشخص الرب يسوع المتحد بأبيه وروحه القدوس، هى استدعاء القوات السمائية باستحقاقات الرب المصلوب لاجلنا، هى صلاة موجزة للثالوث الاقدس كما هى قبول عمل الفداء أي تعبير موجز عن العقيدة المسيحية.. هى رفع لواء المسيح..

كما يقول القديس أثناسيوس الرسولى: أن كل من يحترم الصليب ويكرمه انما يكرم صاحبه لذا حتى الملائكة تحبه وتسرع إلى من يرشمه بايمان، الله يفرح ويسر بعلامة الصليب لانها علامة المصالحة بين الله والبشر التى تمجد الله والتي انكسرت بها قوات الشيطان.. وهذا الرشم تقليد رسولى فيقول العلامة ترتليانوس (ان المسيحين اعتادوا رشم اشارة الصليب قبل كل عمل للدلالة على أنه ما يعملونه هو لله ولمجد باسم الثالوث الاقدس الاب والابن والروح القدس).

نتعلم من هنا أن الرب نفسه أعلن عن صليبه وبعجائب وآيات كثيرة أثبت أن هذا هو صليب المسيح. ومع الاحترام والإجلال للعلم، فالعلم لا يستطيع أن يؤكد صليب المسيح من صلبان اللصوص، لكن الله وحده هو القادر بآيات وعجائب. فنحن لا نعتمد على العلم في الحقيقة الروحية، فالعلم يخدم الحقائق المادية فقط، وليس من حقه أن يتدخل في الحقيقة الروحية، من هنا نرى أن الكنيسة الأرثوذكسية هي الكنيسة الوحيدة التي بها الحقيقة بكاملها وتعلن هذه الحقيقة ليس بإشعاعات إلكترونية أو ذرية ولكن بالنور الإلهي والعجائب المستمرة التي حدثت وتحدث بواسطة خشبة الصليب المقدس.

وبعد أن وجد الصليب، أقامت الكنيسة صلوات الشكر إلى الله، وبدأت الاحتفالات وأخبرت الملكة هيلانة ابنها قسطنطين بأن أشعلت ناراً على رأس كل جبل وبهذه السرعة عرف إبنها الملك الرومي المسيحي بخبر الصليب وبدأت الاحتفالات بالقسطنطينية، أيضا عندما رأى اليهودي يهوذا عجائب المسيح من خلال صليبه آمن بالمسيح وبشر به واعتمد على أسم الثالوث الأقدس واصبح اسمه كرياكوس وخلف البطريرك مكاريوس، وبعد ذلك أستشهد من أجل المسيح.

قسَم الصليب طوليا إلى قسمين، قسم أرسل إلى القسطنطينية وقسم بقي في القدس في كنيسة القيامة التي بنتها الملكة هيلانة. ووجد أربعة مسامير على صليب المسيح، مع أن البعض يدعي وجود ثلاث مسامير، وهذا خطأ. لأنه لو ثبت بمسمار واحد رجلي المسيح لكان قد انكسر كعب رجله ولكن كما هو مكتوب "لم يكسر عظم من عظامه". فصهر الملك قسطنطين ثلاثة مسامير ووضعها في خوذته والمسمار الرابع وضع بشكل عامودي، حتى يكون شعاره في الحرب.

عام 614م انتصر الفرس الوثنيون على الروم المسيحي و احتلوا مدينة القدس بمساعدة اليهود، قتل عندها حوالي ستون ألف مسيحي وبدأت الدماء الطاهرة تجري في شوارع القدس. كل هذا حدث بمعونة اليهود أعداء صليب المسيح. وأسروا البطريرك الأورشليمي وأخذوا خشبة الصليب المكرم ووضعوها بين الأصنام والأواني المقدسة أيضا.

عام 629م أتى الملك الرومي هرقل وانتصر على الفرس وطرد اليهود من فلسطين وشتتهم، وأعاد البطريرك الأواني المقدسة والصليب المكرم، وعندما وصل إلى جبل الزيتون لبس لباسا متواضعا وحمل الصليب وأعاده إلى كنيسة القيامة. وكان هذا في 14 أيلول شرقي أو 27 أيلول غربي. لذلك يعتبر يوم عيد الصليب يوم صيام انقطاعي ذكرى استشهاد المسيحيين، وعندما يركع الكاهن حاملا الصليب رمزا إلى اختفاء الصليب وظهوره مرة أخرى.

الحملات الغربية التبشيرية تدعوا البشر أن لا يرسموا إشارة الصليب على جباههم لانهم أعداء الصليب ويحاولون أن يطمروا الصليب، لكن الصليب باق رغم وجودهم وإمكانياتهم. نحن نقبَل ونسجد للصليب ليس للعبادة وإنما للتكريم لانه بالصليب قد خلصنا من الموت والفناء وأصبح الصليب إشارة افتخار بعد أن كان شعار لعنة كما هو مكتوب "ملعون كل من علق على خشبة". والمسيح رفع هذه اللعنة عن البشرية بصلبه المكرم.

وكما يقول بولس الرسول "نحن نكرز بالمسيح مصلوبا عزة لليهود وجهالة لليونانيين" (1كور 1: 23 - 24) ويقول أيضا "حاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح" (غلا 6: 14). و"المسيح مات عن الجميع" (2كور 5: 15). إذاً عندما نسجد للصليب، لا نسجد للخشب أو الألوان وإنما لشكل الصليب الذي صلب عليه المسيح.


ونرى رموز الصليب في العهد القديم مثل الحية النحاسية التي كل من نظر إليها يشفى. حيث كانت حية بلا سم كما كان المسيح بلا خطيئة. نعم أخذ طبيعتنا البشرية لكنه لم يأخذ الخطيئة أي لم يخطئ في حياته. وأيضا عصا موسى في ضربة للبحر الأحمر والعدد الذي جعله موسى في الحياة المرة في صحراء سيناء وأصبحت عنده، ولو نظرنا لوجدنا أن الإنسان مخلوق على شكل صليب.

طروبارية
خلّص يا رب شعبك وبارك ميراثك، وامنح ملوكنا الغلبة على البربر، واحفظ بقوة صليبك جميع المختصين بك.

قنداق
يا من ارتفعت على الصليب مختاراً ايها المسيح الاله امنح رأفتك لشعبك الجديد المسمّى بك، وفرّح بقوّتك ملوكنا المؤمنين، مانحاً اياهم الغلبة على محاربيهم، لتكن لهم معونتك سلاحاً للسلامة، وظفراً غير مقهور


لك أن تقبل موت المسيح ولك ألا تقبله. ولكن إن أردت أن تعاشر المسيحيين لك أن تفهم عمق إيمانهم بالمصلوب. لن تفهم ذرة واحدة من إيمانهم وتاليا لا تستطيع أن تودهم ودا كبيرا ما لم تدرك سرهم أي ما يحركهم في العمق وتبقى حرا بتصديق حادثة الصلب أو عدم تصديقها. كل حرارة الحب في المسيحية أتت إليهم فقط من صلب المخلص. كل صلاتهم وطهارة بعضهم وانجازاتهم الفكرية في الشرق والغرب، كل أدائهم الشهادة بملايين من الشهداء جيلا بعد جيل، كل تقشف عندهم ونسك، كل غفران، وسلام في النفس ومحبات تبذل حتى الموت نازلة عليهم من المصلوب.


لولاه لكانت المسيحية مذهبا من مذاهب اليهود. إنجيلهم ليس فيه سوى هذا الحدث كائنا ما كان صوغ الأناجيل أسلوبا ولغة، الأناجيل تبدو بسيطة لكن مضمونها اللاهوتي غاية في التركيب. إنها قائمة على جدلية موت المسيح وقيامته. أي تجليه الثنائي وسيادته على القلوب.هذا الصلب هو الذي جعل المسيحية إيمانا بشخص يدعى يسوع الناصري وليست أساسا تصديقا بكتب. الناصري لم يكتب حرفا وأتباعه يؤمنون به لأنه مات ثم قام ودونت الأناجيل بعد موته بضع عشرات من السنين (الإنجيل الرابع بعد السنة التسعين).


فقبل نصها كان هذا الإيمان الواحد قائما وكانت دماء الشهداء تهدر لا بسبب كتب ولكن بسبب الحب لهذا الشخص .هذا صار الكاهن العظيم بآلامه و موته واتخذ خطايا البشر على نفسه لكي تزول عنهم بالحياة الجديدة التي يعطيهم إياها. ذلك أن "أجرة الخطيئة هي الموت" الذي صار موت ابن الإنسان.هذه الأوجاع التي تحمّلها هي أوجاع الناس جميعا، هي معاصيهم. أخذها في ذاته لكي ينجيهم منها. "دفنا معه بالمعمودية للموت (أي لنصير إلى موته) حتى كما أقيم المسيح من بين الأموات نسلك نحن أيضاً في جدة الحياة ".


ولكن قبل أن تنال الحياة الأبدية حالتك حالة الإنسان الساقط والمتألم معا. أي إنك أنت أيضاً مصلوب ولا تنجو من أي صليب وضع على عاتقك إلا بصليبه هو فتقوم منذ الحياة التي أنت فيها إلى حياته لتصبح خليقة جديدة. أنت لا تخترع الألم. هو يأتي من هذا العالم الذي هو تحت الشرير. يقلقك ويوجعك حتى تتساقط قيامة المسيح عليك بالتوبة وهي رجوعك بكل جوارحك إلى وجهه وهذا هو الإيمان الكامل تحياه على الرجاء وفي محبة ليسوع يغدق بها عليك فتصير إليه كائنا فصحيا.


"من أراد أن يتبعني فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني" المسيح لا يلقي عليك صليباً. تؤتاه من ظروف وجودك على الأرض. وإن حملته تصير إنساناً سماوياً. لذلك كان عيد ارتفاع الصليب مسيرة لك دائمة. كل يوم مثقل وكل يوم ترفع عنك القيامة أثقالك.من هذا المنظار كان هذا العيد ممتداً فيك كل يوم. هل الصبيان الذين يشعلون النار عشية ذلك اليوم يعرفون أنهم مدعوون ليحملوا بها النور إلى العالم فيصيرون قياميين ؟ هل كان ذلك تبياناً لهويتهم ؟ ما عيد ارتفاع الصليب إلا قصة حب، أعظم قصة حب في التاريخ لأنها كتبت بالدم.


هي زواج المخلص مع الإنسانية جمعاء. حبيبته ليست حصرا طوائف المسيحيين. هي الانسانية المطهرة من كل أطراف الدنيا. هذه هي جسده أي كيانه المعمد بماء أو المعمّد بالروح. الذين يؤمنون بيسوع يؤمنون بالمحبة والناس كلهم أحباؤهم لأن الناس جميعا يأتون من المسيح بطريقة أو بأخرى وهو حاملهم بدمه إلى أبيه وروحه حتى يكون الله الكل في الكل.


أعايد الجميع و أقول لهم كل عام و أنتم بألف خير و خصوصاً كل من يحمل إسم صليبا


مع محبتي للجميع بالمسيح ربنا آمين

سامر يوسف الياس مصلح

بيت ساحور
27/09/2011

ليست هناك تعليقات: