أرشيف المدونة الإلكترونية

الأحد، 22 مايو 2011

أحد السامرية



أحد السامرية


رتّبت الكنيسة أن نقرأ في هذا الأحد حوار السامرية مع الرب يسوع كما كتبه يوحنا الإنجيلي، ونرى فيه السيد يطلب من امرأة أن تعطيه ماء، وقد كانت تلك المرة من المرات القليلة جداً التي يطلب فيها يسوع شيئاً مادياً من إنسان "أعطيني لأشرب". طلب مساعدتها كي يشرب من ماء نبع يعقوب كي لا يبقى عطشاناً.

لم يكن هدف السيد من طلب الماء أن يشرب ببساطة، لأنه ليس بحاجة للأشياء المادية، بل أن يفتح المجال أمام الإنسان داعياً إياه كي يقدم للسيد من بعض الأشياء المادية التي يحتاجها في حياته اليومية.



هكذا نجد السيد يطلب أقلّ الأمور، الشيء المادي، لكن بالمقابل هو يمنحنا مواهبَ روحية سماوية، التي وحده قادر على منحها. هو في حواره مع السامرية يطلب الماء الطبيعي الذي يروي عطش الإنسان آنياً ويقدم "الماء الحي" الذي يروي عطش الإنسان أبدياً. بهذه الطريقة يقدم الإنسانُ الماءَ الطبيعي لكن بالمقابل يقدم اللهُ الماءَ الحي الأبدي الذي لا ينضب أبداً.

يو 5:4-52 يشير تصرف المسيح هذا إلى تواضعه الكبير، فهو لا يريد أن تتثبت فكرة أنه الوحيد القادر على العطاء، فيقدم للإنسان هذه الإمكانية. لكن ماذا يمتلك الإنسان كي يقدّم، فكل شيء هو ملك لله؟ هو لا يملك شيئاً ليقدمه وهذا يدفعه للشعور بالنقص. ولكن بطلب الله منه أن يقدم له شيئاً، ولو كان ماء من صنع الله، يعيد للإنسان كرامة، ومن جهة ثانية يصبح لدى الإنسان إمكانية وفرصة أن يقدم للمسيح شيئاً من الخيرات المادية، حتى ولو كانت هذه الأشياء هي ملك لهك.



نقول ذلك بوضوح في القداس الإلهي "التي لك مما لك نقدمها لك على كل شيء ومن جهة كل شيء" وهذا يُفرِحُ الرب لأنه أعطى الإمكانية للبشر أن يقدّموا له كأبناء له مجبولين على صورته ومثاله، وهذه كرامة الإنسان الحقيقة التي لا تُقَدَّرُ أبداً.


المسيح يقبل العطايا البشرية المقدّمة بمحبة، حتى ولو كانت أشياء صغيرة. ولا يشعر الإنسان بمذلّة لصغَرِ عطاياه ولكنه على العكس يشعر بالفرح لأنه استطاع أن يقدم هذا الشيء الصغير لله بمحبة والمسيح يقيّمه بتقدير كبير.

المسيح لا يطلب كي يأخذ إنما حتى يقدّم لنا الشيء الأثمن، كما فعل مع السامرية حين طلب الماء الطبيعي كي يقدّم لها الماء الحي الأبدي. يسألنا أن نظهر محبتنا ونقدم له ولو كان شيئاً مادياً بسيطاً. هذه هي عظمة محبة الله للبشر.


فالمسيح لا يطلب المحبة لذاته بل ليتشارك بها مع الإنسان بمستواها الراقي النقي. أي الله يهب محبته للبشر ويمنحهم الفرصة أن يبادلوه المحبة بمحبة.


نرى السيد في إنجيل اليوم عند نبع يعقوب يطلب من المرأة السامرية ماءً، شيئاً مادياً، رغم أن الله لا يحتاج لشيء فهو يملك كل شيء، وبحركة من يده تطيعه المسكونة حسبما يصف الإنجيلي مرقص أعجوبة تهدئة العاصفة على سبيل المثال: " فقام وانتهر الريح وقال للبحر اسكت. إبْكم. فسكنت الريح وصار هدوء عظيم" (مر 39:4).. ويقول داوود كاتب المزامير: "تفتح يدك فيمتلئ كل حيّ سروراً"


المسيح يحبنا ويهبنا كل العطايا بسخاء، وهي لكل البشر، وبالمقابل يقدم لنا الفرصة أن نقدم له ما هو له بمحبة واحترام وتقدير، والحقُّ يقال إنّه لشيء عظيم أن نتعلم أن لا نطلب فقط من السيد بل أن نقدم له من قلوبنا ما هو أفضل.

ليست هناك تعليقات: