أرشيف المدونة الإلكترونية

الاثنين، 27 أغسطس 2012

عيد رقاد و إنتقال أمنا والدة الإله بالنفس و الجسد إلى السماء

إن العذراء هي ابنه يواكيم بن فاربافير من نسل داود من سبط يهوذا وأمها اسمها حنة ابنة مثاتان الكاهن من سبط لاوي وكان يواكيم وحنة قد مضى على زواجهما 50 عاماً ولم ينجبا أولادًا فبقدرة الله وبرضاه أرسل الملاك وبشر حنة النبية أنها تحبل بابنه أشرف من كل الخلائق وكان ذلك في اليوم التاسع عشر من شهر كانون أول من السنة السابعة عشر قبل الميلاد وفي اليوم الثامن من شهر أيلول من السنة السادسة عشر قبل الميلاد ولدت مريم البتول في القدس في المكان المدعو اليوم مدرسة القديسة حنة " الصلاحية " وسميت مريم " أي سيدة أو رجاء حسب تسمية الملاك، وكان والداها قد قدما نذرًا للرب أنهما إذا رزقا طفلاً أن يخدم الهيكل صبيًا كان أم صبيّة وفرح بها والداها فرحًا عظيمًا، ولما بلغت مريم عامها الثالث جاء بها والداها في 21/11/13 قبل الميلاد،فأدخلاها الهيكل لتخدم فيه وفاءً






لنذرهما فتقبلها زخريا الكاهن الأكبر فأدخلها إلى قدس الأقداس بإلهام الروح القدس إذ أنها يومًا ما ستصبح قدس أقداس للرب يسوع وهناك تثقفت العذراء في العهد القديم، وفي وقت إقامتها في الهيكل مات والداها. ولما بلغت أخذوا يتشاورون [ أي الكهنة ] كيف يتصرفون معها بدون أن يغضبوا الله، وقال القديس إيرونيموس: إن الكهنة لجأوا الى تابوت العهد بصلاة حارة، وطلبوا من الله أن يظهر لهم الرجل الأهل لأن يعهد إليه بالعذراء ليحفظ بتوليتها تحت مظهر الزواج فأمروا يومئذ بصوت من الرب بأن ينتخبوا اثني عشر رجلاً من قبيلة داود لا نساءَ لهم، أرامل ويضعوا عصيهم على المذبح ويسلموا العذراء لمن تزهر عصاه، وفعلوا ذلك وكانوا يصلون طول الليل قائلين أظهر يا رب الرجل المستحق للعذراء وفي الصباح دخل الكهنة مع الاثني عشر رجلاً فرأوا أن عصا يوسف قد أزهرت وكان هو أقرب إليها وكان عمره ثمانين سنة وكان له ستة أولاد من زوجته المتوفية (وهم يعقوب ويوسي وشمعون ويهوذا ومريم وسالومة)




ومضى يوسف مع مريم بعد الخطبة إلى مدينة الناصرة وبعد الخطبة بثلاثة أشهر وفي اليوم الخامس والعشرين من شهر آذار والعذراء تقرأ في سفر أشعياء النبي "ها إن العذراء تحبل وتلد ابنًا ويدعى اسمه عمانوئيل" كانت تتمنى أن ترى هذه الفتاة من تكون التي يصفها أشعياء وهي في هذه الأفكار حضر الملاك جبرائيل رسول الثالوث الأقدس يقول لها: "السلام عليك يا مريم يا ممتلئة نعمةً الرب معك مباركة أنتِ في النساء".




فلما اضطربت من كلامه قال لها: "لا تخافي يا مريم لأنك وجدت نعمة عند الله وها أنت تحبلين بالضابط الكل وستلدين طفلاً وتسمينه يسوع"، فأجابته العذراء: "كيف يكون ذلك لبنت عذراء لم تعرف زواجًا" فقال لها الملاك: "إن الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظلُلك وذلك القدوس المولود منك يدعى ابن الله وها أن نسيبتك أليصابات هي أيضًا حبلى بابنِِ في شيخوختها وها هو الشهر السادس لتلك المدعوة عاقرًا"، فأجابت العذراء: "ها أنا أمة للرب فليكن لي حسب قولك".




وإذ قالت مريم هذه الكلمة حلت كلمة الله في أحشائها الطاهرة فنظر الملاك إلى السماء فرأى الابن جالسًا في أحضان أبيه ثم نظر إلى العذراء فرآه أيضا داخل أحشائها النقية نظير الجنين فسجد مؤديًا الإكرام الواجب لوالدة الإله، ثم عاد إلى السماء مسرورًا، وبعد أن بدا الأمر غير خافيًا على يوسف الصديق، يقول القديس أثافاسيوس: إن يوسف كان يُعفِف البتول وكان حائرًا من عدم اضطرابها، وبعد ذلك أتاه الملاك قائلاً: يا يوسف ابن داؤد لا تخف أن تأخذ امرأتك مريم لأن المولود منها هو من الروح القدس، وبعد ذلك ذهبت مريم إلي الجبل إلي مدينة عين كارم ودخلت إلى بيت زخريا وسلمت على ألياصابات وعندها عرف الجنين "يوحنـا" الذي في بطن ألياصابات أن البتول هي أم المسيح المنتظر وسجد في بطن أمه وامتلأت ألياصابات من الروح القدس فصاحت بصوت عظيم وقالت: "مباركة أنت في النساء من أين لي هذا أن تأتي أم ربي إلي فطوبى للتي آمنت ما قيل لها من قبل الرب"، فقالت مريم: " تعظم نفسي للرب ".




وبقيت عندها ثلاثة أشهر ثم عادت إلي بيتها وفي تلك الأيام صدر أمر من القيصر الروماني بأن يكتتب كل المسكونة فانطلق الجميع ليكتبوا أسماءهم كل واحد في مدينته وذهب يوسف وخطيبته مريم من الناصرة إلي بيت لحم وكانت بيت لحم لم يعد فيها أي مسكن من كثرة الناس.


وبالكاد وجد يوسف مكانًا في مغارة البهائم وباتا فيها، وفي نفس الليلة ولدت مريم العذراء الطفل الإلهي، وفي تلك الناحية بشر الملائكة الرعاة بالفرح العظيم: " ولد لكم مخلص وهو المسيح الرب "، وبعد ذلك نرى العذراء في الهيكل بعد 40 يوماً ونرى العذراء عندما جاء المجوس وقدموا الهدايا ذهبًا ولبانًا ومرًا. وبإرشاد الملاك المرسل من الله ذهب يوسف مع الطفل وأمه إلى مصر وسكنت العذراء سنتين وستة أشهر في مصر وسكنت في نفس المنطقة التي ظهرت فيها العذراء في سنة 1967 في كنيسة الزيتون ودير المحرفة والمطرية.




وعندما مات هيرودس، وبإرشاد الملاك عادوا وسكنوا الناصرة وترافقه العذراء في أكثر عجائبه وتعاليمه فنراها مع يسوع عندما كان يعلم في الهيكل وفي أول عجيبة في عرس قانا الجليل، وآخر أيام المسيح على الأرض نرى




المسيح يسلم والدته إلى التلميذ الحبيب يوحنا، ونراها يوم القيامة مع المريمات، ويوم الصعود في جبل الطور، ويوم العنصرة في حلول الروح القدس مع التلاميذ، وكانت في القدس عزاءً للرسل في زمن الاضطهاد الذي قام به هيرودس. وكان يحضر إليها كثير من الذين كانوا يؤمنون، وكان لها أكبر الأثر في نفوس المؤمنين، وذهبت العذراء إلى جزيرة قبرص بدعوة من القديس ليعازر (الذي أقامه يسوع من بين الأموات) وذهبت في طريقها إلى جبل آثبوس أي "المقدس"، وكان الجبل كله أصنام وعباده أوثان وعند وصول العذراء الجبل تحطمت الأصنام لوحدها وبشرت العذراء بالمسيح واعتمد جميع السكان وسمي هذا الجبل بالجبل المقدس نسبة لزيارة العذراء الكلية القداسة له وما زال حتى اليوم يعج بالأديرة والكنائس والرهبان.




وأيضاً زارت أفسس حيث كان القديس يوحنا الحبيب ورجعت بعد ذلك إلي القدس ولما بلغت الستين من عمرها جاءها الملاك في اليوم الثاني عشر من شهر آب من السنة 44 ميلادية فبشرها أنها بعد ثلاثة أيام ستنتقل من دار الشقاء إلى دار الهناء والبقاء، ففرحت فرحًا عظيمًا وَصلت شاكرةً لله، وطلبت أن ترى أولادها الروحانيين أي الرسل الأطهار الذين كانوا متفرقين في أقٌطار العالم فإذا بالسحب تخطفهم في اليوم الخامس عشر من شهر آب وتجمعهم لدى الأم البتول ففرحت بهم وأخبرتهم سبب حضورهم العجيب وعزتهم على حزنهم، وأن الدنيا كلها إلى زوال وَصلت من أجل سلام العالم، واضطجعت كما أرادت وأسلمت روحها إلى ابنها.


أما الرسل حملوا السرير بموكب جنائزي مهيب إلى القبر الذي في قرية الجسمانية وإن أحد اليهود من عشيرة الكهنة واسمه أثاناس مد يده إلى النعش يريد أن يقلبه فإذا بسيف يقطع يديه الأثيمتين، فخاف اليهود جدًا، وآمن قوم كثير منهم. وبعد أن وضعوا جسد العذراء في القبر كان الرسل يتناوبون حوله سجدًا يرتلون التسبيح مدة أسبوع.

وذكر أن الرسول توما لم يكن حاضرًا رقاد العذراء، وحضر بعد ثلاثة أيام وكان في الهند أصر أن ينظر محيّا والدة الإله ويبترك منه ويودعه مثل باقي الرسل فلما رفع الحجر عن باب القبر لم يجدوا الجسد بل كان الضريح فارغًا والأكفان وحدها، فآمنوا أن العذراء انتقلت بالنفس والجسد إلى ملكوت السماوات، وعندما كانوا يصلون على المائدة المقدسة عند استحالة القربان إذ بالعذراء تقف بجسمها الطاهر بسحابة منيرة وملائكة المجد حولها فقالت: "السلام لكم، افرحوا لأني معكم كل الأيام"، فهتف الرسل بصوتٍ واحد : "أيتها الفائق قدسها والدة الإله خلصينا".

بتولية العذراء: إن الكنائس المسيحية بأجمعها تعتقد بدوام بتولية العذراء ولإظهار الحقيقة نقول:



1- إن كلمة حتى تدل على الاستمرار وهي حسب أفضلية النحاة تدخل ما بعدها في حكم ما قبلها: فإن كان ما قبلها مثبتًا كان ما بعدها مثبتًا، وإن كان منفيًّا كان ما بعدها منفيًّا، مثلاً ذكر في سفر تكوين 7:8 " ولم يرجع الغراب حتى نشف الماء عن وجه الأرض" هنا ما قبل كلمة حتى منفيًّا لم يرجع إذن ما بعدها منفيًّا لأن الغراب لم يرجع أبداً.
2- قال المخلص: "هـا أنا معكم كل الأيام حتى انقضاء الدهر" (متى 20:28)، هنا قبل كلمة حتى مثبتًا إذن ما بعدها أيضا مثبتًا أنا معكم مثبتًا، ونحن لم ننفصل عن المسيح أبدًا لا في هذا الدهر ولا في الحياة الخالدة بل نكون معه بأوفر كمالا.ً

3- يقول في صموئيل الثاني 22:6 " لميكال ابنة شاول لم يكن لها ولد حتى يوم موتها" هنا ما قبلها منفيًّا لم يكن لها ولدُُ إذن ما بعدها منفيًّا، وهل يمكن أن تلد بعد الموت!
ثانيًا: إن البكر في الكتاب المقدس المولود الأول عن وحيدٍ أو بين إخوة كما يتضح من أمر الرب بأن يكرس له بكر حيث يقصد بالأبكار المولودين أولاً أو الوحيدين. ويقول في أشعياء " أنا الإله الأول" أشعياء 6:44 فهل من إله ثانٍ أو ثالث!

ثالثًا:


أما إخوة المسيح فهم أبناء يوسف من امرأته الأولى أو أبناء كلاويا من امرأته ابنة خالة العذراء لأن الأقارب في الكتاب المقدس يدعون إخوة إبراهيم ولوط ابن أخيه يدعان أخوات تكوين 8:13 وكذلك لأبان ويعقوب إن أخته رفقه كانا يدعون أخوات تكوين 15:29، وفضلاً عن ذلك فهل يعقل أن تكون أمًا لبشر بعد أن وسعت في أحشائها إله الكل! وقد دعاها الكتاب المقدس امرأة ليوسف لكي لا يشتبه في أمر حبلها وأما بعد الولادة نرى أن الكتاب المقدس يدعوها "أم الصبي" متى 13:2 ولوقا 43:2. وقد دعا يسوع العذراء " بامرأة" (يوحنا4:2 ويوحنا 26:19) لتكريمها وتعظيمها لأن كلمة امرأة يومئذ كانت اصطلاحًا في اللغة للدلالة على الاحترام والعطف، ويؤخذ من الآداب اليونانية القديمة أن السيدات ذوات المجد الرفيع كن يخاطبن بهذا اللفظ.
فبشفاعة العذراء مريم الكلية القداسة يا رب ارحمنا وخلصنا آميـن




يرتبط معنى عيد رقاد والدة الإله بما يقوله المزمور ويؤكد عليه آباء الكنيسة: ” جعلت الملكة عن يمينك بذهب اوفير” (مز9:45)، وفيه نحتفل بحدثين أولهما موت ودفن العذراء والثاني انتقال جسدها للسماء، ويسيطر هذان الحدثان على تسبيح وصلوات العيد.

تكرم الكنيسة الأرثوذكسية في العالم بشكل خاص والدة الإله وهذا التكريم يعود أصوله أو جذوره لفترة الرسل من تاريخ الكنيسة وشهدوا بذلك من خلال الأناجيل المقدسة ومنهم الإنجيلي لوقا: “فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تُطوّبُني” (لو48:1)، ويعتبر هذا التطويب شهادة على تكريم شخص والدة الإله من العصر الرسولي.
بسبب تكريم شخص والدة الإله ظهرت أعياد كثيرة ومختلفة، متعلقة بها: مولد والدة الإله، دخولها للهيكل، البشارة، الرقاد. أما عيد الرقاد فقد بدأ التعييد به منذ القرن الخامس أما الذي حدد يوم 15 آب للعيد هو الإمبراطور مافريكو نهاية القرن السادس، ذُكر العيد لأول مرة في كلمة لكاتب مجهول حول إنجيل يوحنا والذي كُتب بين بداية ونهاية القرن الخامس، أي 400-500 م، ويحتوي النص على الأفكار اللاهوتية للكنيسة حول والدة الإله بحسب التقليد، وبالإضافة لهذا النص يوجد نصوص أخرى تتحدث عن العيد وأهمها النص المنحول ليوحنا حيث يشكل المصدر الأساسي لتراتيل العيد وللأحداث التي تدور في أيقونة الرقاد.



حافظ الإنجيلي لوقا على تعظيم لوالدة الإله وذلك عندما رفعت امرأة صوتها من الجمع وقالت للمسيح عندما سمعته يعلّم ويتكلم: “طوبى للبطن الذي حملك والثديين الذين رضعتهما” (لو28:11). يمكن أن تكون هذه التطويبة من كل امرأة أو رجل لا بل هي تعظيمة من الكنيسة ككل، وتمثل هذه المرأة كل الكنيسة بقولها للتطويبة والكنيسة تعظّم مريم لأنها ولدت المسيح.




كان بإمكان المسيح أن يَخلق لنفسه جسداً كما فعل عند خلق العالم ولكنه فضّل أن يتكوّن هذا الجسد داخل أحشاء مريم العذراء، وكي يتم هذا يجب أن يختار الله أحشاء نقية، يقول نيقولاوس كابسيلاس أن الله اختارها، كي يأخذ جسداً، لأنها ستصلح ما قد خرّبه آدم وحواء، أي أن مريم العذراء قادت الطبيعة البشرية نحو الخلاص وإمكانية الكمال على حين آدم وحواء قادوها للسقوط والخطيئة. فباتت مريم هي المكان والأداة لولادة جسد المسيح أي لآدم جديد.



تكرم الكنيسة عيد رقاد السيدة، أي الموت الطبيعي، وتسمّيه انتقال العذراء إلى السموات. وهو موضوع كان مجال كبير للنقاش والحوار ولكنه منطقي لسببين: الأول وهو العلاقة الطبيعية بين والدة الإله وابنها الإله المتجسد وثانياً قيامة يسوع المسيح، لذلك وبحسب الكتب المنحولة عن الرقاد فقد خرج من جسد العذراء وحتى من قبرها في الجسمانية رائحة طيب زكي، ولثلاثة أيام بعد رقادها، وذلك قبل انتقالها بالجسد إلى السموات، سمّت الكنيسة هذا الانتقال بقيامة والدة الإله ومنها كل البشرية.

أصبح المسيح بقيامته من بين الأموات ووفق القديس بولس الرسول: “بكرٌ من الأموات” (كو18:1)، في حين ستكون قيامة البشرية في المجيء الثاني، عندما سيظهر المسيح ثانية، أما موت وانتقال والدة الإله إلى السموات بحسب مجريات الأحداث عند انتقالها: أي حضور المسيح والملائكة والرسل القديسين، بمعنى آخر الكنيسة، ليس إلا صورة عن يوم الدينونة.

لدينا، في النص المنحول ليوحنا عن رقاد السيدة، وجهة نظر لاهوتية عن والدة الإله وذلك بكونها وسيطة بين البشر وابنها يسوع المسيح، لذلك مبررٌ أن تُكرِّم الكنيسة والدة الإله بطريقة أسمى من الشيروبيم والسيرافيم وليس فقط أسمى من كل البشر، وكذلك نحن نكرّم والدة الإله ونحترم عيد رقادها بشكل كبير لأن يوم رقادها وانتقالها إلى السموات يشكّل تأكيد على إمكانية دخولنا إلى ملكوت الله وذلك بنعمة الله وبشفاعتها وحمايتها وجهادنا الشخصي.

أصبحت مريم العذراء والدة الإله لأن في أحشائها ولد يسوع المسيح بالطبيعة البشرية بحلول الروح القدس عليها، وهي أيضاً أُمُّنا جميعاً لأننا عندما نتناول جسد المسيح ودمه نصبح إخوة للمسيح وبالتالي تصبح العذراء أُمَّنا، وكأم لنا تحمينا من كل الشدائد عندما ندعو اسمها المقدس في الشفاعة.




ماذا يقول التقليد الكنسي عن العيد ؟
لم يذكر لنا الانجيل شيئا عن رقاد والدة الاله كما انه لم يسلط الضوء على تفاصيل حياتها ايضا أنما ما يذكره القديس يوحنا الدمشقي في اوائل القرن الثامن في عظته الشهيرة حول رقاد السيدة العذراء كاف لتثبيت التراث الشفهي الذي شاع في الكنيسة منذ قرون الاولى ونقل الينا في مخطوطات بعنوان " كتاب يوحنا اللاهوتي حول رقاد والدة الاله الكلية القداسة " .




وقد وجدت نسخ من هذه المخطوطات باللغات اليونانية والسريانية والعربية , وكلها تعود الى اوائل القرن الرابع للميلاد . اما الدمشقي الذي اشتهر بكتاباته المريمية فأكد لنا ان المسيح بنفسه قد حضر الى مضجع والدته المحاط بالرسل الذين استقدموا بالروح من اقاصي الارض حيث كانوا يركزون ليلبسها حلة عدم الفساد . التقليد الكنسي يروي لنا انه حين كان الرسل رافعين النعش الذي كانت عليه مريم مضطجعة حاملين اياه الى القبر واذ كانت الملائكة تشاركهم الترتيل من السماء تجاسر احد المارة ان يمد يديه بوقاحة على النعش وفي الحال نال من القضاء الالهي ما استوجبته وقاحته من القصاص فقطعت يده بضربة قوية ! ( على بعض الايقونات يظهر ملاك مستلاً سيفاً يقطع يد المتطفل )


يقول التقليد الشفوي ايضاً ان الرسل بعد العنصرة اخذوا يجتمعون معا بانتضام واذ اتكاوا للغداء بعد الصلاة كانوا يتركون ما بينهم موضعاً خالياً ويضعون على الوسادة قطعة من الخبز الذي يأكلونه يدعونها جزء الرب . واذا نهضوا بعد الغداء وصلوا وشكروا يأخذون تلك القطعة فيرفعونها قائلين " المجد لك يا الهنا المجد لك , المجد للاب والابن والروح القدس " وكانوا يرددون المسيح قام لفترة تترواح بين الفصح والصعود . اما من بعد الصعود فكانوا يهتفون " عظيم اسم الثالوث القدوس ايها الرب المسيح اعنا " وهكذا حتى افترقوا للكرازة .


ولكي يبقى هذا التقليد حيا هكذا كان يفعل كل من الرسل حيثما وجد , الى ان اجتمعوا مقبلين بالسحب ليحضروا احتضار السيدة الذي لم يكن في الواقع الا انتقالاً اما في اليوم الثالث من دفنها واذ الرسل مجتمعين كعادتهم وفيما هم يرفعون جزء الرب قائلين " عجيب اسم ... " توقفوا وانذهلوا ! اذ يا له من عجب مستغرب السماء فتحت وظهرت العذراء بجسمها الطاهر ملتحفة بسحابة من النور وملائكة ظهروا متسربلين بالنور محيطين بها في الجو فقالت " السلام لكم افرحوا معي مدى الايام ... " فاندهش الرسل وهتفوا قائلين عوض " ايها الرب يسوع المسيح اعنا " " يا والده الاله الكلية القداسة اعينينا " حينئذ ذهبوا الى القبر واذ لم يجدوا جسدها تيقنوا من حقيقة قيامتها من بين الاموات حية بجسدها نظير ابنها منطلقة الى السماوات .
قد يتخيل للبعض ان هذه الرواية خيالية بعيدة كل البعد عن الحقيقة والموضوعية ولكن من يقرأ الانجيل بايمان ويعجب بآياته لا يستغرب تقليداً كهذا بل هو تتمة منطقية لحياة الكلية القداسة وتتويج طبيعي لحياة طاهرة كحياة مريم التي اتخذ السيد جسدا من جسدها . أليس هو القائل " من امن بي وان مات فسيحيا " فكيف بالحرى من جسدت الايمان بشخصها وحوت باحشائها سيد العالم وخالقه ؟....



القديس يوحنا الدمشقي يهتف بلغه الايمان في عظته الشهيرة حول رقاد مريم :" اليوم تعبر من الارض الى السماء تلك السلم التي نزل عليها العلي ( وهنا يشير الى سلم يعقوب في حلمه كما ورد في كتاب التكوين )...
" هذا القبر اقدس من قدس الاقداس حيث لا حوى لا الظلال والرموز بل الحقيقة عينها ... ارفع نظرك يا شعب الله وشاهد خيمه اله الصباووت في الجثمانيه وقد حضر الرسل اليها ودفنوا الجسد مبدا الحياه الذي كان قد حوى ابن الله ..."


ايقونه رقاد والده الاله او انتقالها " ايها الرسل اجتمعوا من الاقطار الى هنا في قرية الجسمانية واضجعوا جسدي وانت تقبل روحي يا ابني والهي "


هذه الترتيلة صورة عن الخطوط العريضة التي اتبعها رسامو الايقونات لرسم ايقونة الرقاد . هناك في دير القديسة كاترينا في صحراء سيناء (25سم*38سم) رائعة من حيث الفن التصويري يعود تاليفها الى القرن الثاني عشر , واضحة جداً في تصميمها الذي لا يتغير في كافة انحاء البلدان الارثوذكسية. وكلنا نعلم ان لأيقونات هذا الدير قيمة منفردة اذ لم تتأثر بموجة الفتك بالايقونات التي سادت في القرن الثامن . المشهد هو نفسه في كل الايقونات التي تودي




معنى الانتقال :


العذراء مريم منطرحة على الفراش الموت جسدها منطو افقيا وكانه يكاد ينقلب لتوازنه غير الثابت ...
وهذا يفسر بسبب عدم وجود العمق في فن الايقونات , كل شئ يرسم سطحيا اذ لا وجود لبعد ثالث كما في اللوحات العادية فجسد مريم منحن عاكف على الناظر بكثير من الرقة اما المسيح فهو منتصب في وسط الايقونة جسده في اكثر الاحيان محاط بهالة بهية من النور الازلي يحمل مريم في يديه مقمطة بلفائف كطفل صغير وكانها تولد من السماء على يدي ولدها وسيدها . من ينظر الى الايقونة من بعيد يتراءى له الخطان اللذان يؤلفان مريم ويسوع وكانهما خطا صليب السيد :فالصليب منصب ابدا في حياة الكنيسة .




اما الرسل فيحيطون بجسد مريم بشكل نصف دائره نلمح بوضوح اربعة منهم : " بطرس منحن فوق رأس مريم وعلائم الحزن والتأمل ظاهرة على وجهه , بولس منعكفا عند قدميها منذهل , يوحنا التلميذ الحبيب يقبل نعشها بحزن عميق , واما اندراوس فهو واقف وراء بطرس " يوجد عادة أساقفة في اللوحة يتميزون بلباسهم الكنسي . أما الملائكة فيشتركون بفرح بهذا المشهد الحزين فيضفون عليه علائم السموات .



اما روسيا في القرون الوسطى عندما كانت مدينة كييف عاصمتها فكانت تعتبر عيد رقاد السيدة عيداً وطنياً وتضع نفسها تحت شفاعة العذراء مريم وحمايتها ازاء الغزوات الخارجيه ولذلك اشتهر الفن الروسي في اداء لوحات رقاد العذراء كما تميزت مدينه نوفغورود برساميها فكان التاليف نيرا ساطعا .


معنى العيد ان نشأة هذا العيد غامضة في العالم المسيحي ففي فلسطين كان يقام العيد في 15آب ما قبل القرن السادس أما في مصر فكان يقام في 18كانون الثاني وقد انتقل هذا التاريخ من مصر الى بلاد غالية في القرن الرابع اما في القرن السابع فقد ثبت الامبراطور البيزنطي موريس تاريخ 15آب بطريقه نهائيه . انه من اهم الاعياد الكنسية وتحضر الكنيسة المومنين له بصوم يدوم اربعة عشر يوماً , وهو من اهم الاعياد السيدية . القراءات التي تتلى فيه هي نفسها التي تتلى في ميلاد السيدة ولا تنوه قطعاً عن رقاد السيدة .


اما المعنى الروحي للعيد فيتجلى في تراتيل صلاه الغروب والسحريه ولكن في الواقه هناك عده معان من الصلوات المختصه بالرقاد:



المعنى الاول :


" ان ينبوع الحياة الحية قد وضعت في قبر – واصبح ضريحها سلم السماء " يشير اول شطر من العباره ان الكنيسة تعيد ذكر رقاد والده الاله بالجسد وانتقال نفسها الى السموات : " ان القوات الملائكية انذهلوا لما شاهدوا سيدهم ضابطا نفسا انسانية " مع العلم اننا لا نعلم يقينا لا متى ولا اين توفيت مريم . المعلومات كلها ابو كريفيه . يوجد منذ القدم تقليدان حسب الاول تكون مريم قد توفيت في اورشليم ودفنت في الجثمانيه واما التقليد الثاني فيقول انها ماتت في مدينه افسس . ولكن هذا العيد يتجاوز في معناه الرقاد الجسدي فالقسم الثاني من العباره يسلط الاضواء على معنى روحي اعمق : ضريحها يصبح سلما للسموات , " افتحوا الابواب .. استعدوا لاستقبال ام النور الذي لا يغرب .. لان في هذا اليوم تفتح السماء حشاها لتستقبلها ".


المعنى الثاني :


العيد ليس فقط احتفالا بولادة مريم في السماء كما تشير اليه الايقونة بل عيد انتقال مريم بالجسد الى السماء والنصوص التي تشير الى ذلك عديدة في طقوسنا " ان والدة الاله التي لا تغفل في الشفاعات ... لم يضبطها قبر ولا موت " ... " لانك انتقلت الى الحياة بما انك ام الحياة " ... وبالتالي جسد مريم الكلي الطهر لم يعرف الفساد الناتج عن الموت وتفككه بل نقل بواسطة الملائكة الى السماء .



اما الكنيسة فلم تفرض هذا التعليم على المومنين كعقيدة ولكن ضمير الكنيسة الحي عبر الاجيال يعتبر نفي انتقال السيدة الى السماء كتجديف اكيد . مريم هي تلك المخلوقة المنفردة في النقاوة والطهارة الجليلة في سر صمتها , المتسامية في عمق آلامها , التي تجاوزت حدود الطبيعة وطارت الى اقرب حد يستطيع ان يصل اليه انسان فتعالت عن الملائكة وتألهت بتواضعها ولذلك مجدها ابنها بجسدها ونقله اليه . وهكذا تعيد الكنيسة بمريم اول قيامة قبل القيامة العامة .


المعنى الثالث :


" الموت صار عربونا للحياة ... " العيد هو عيد كل الطبيعة الانسانية لان مريم توصلت الجبلة الترابية النتنة الى هدفها الاسمى وسمح لها بالرجاء ... رقاد العذراء يمثل لنا المجد الذي يمكن ان نصير اليه اذا ما اثمرت النعمه فينا بفعل الروح القدس . ومهما يكن من شان الحدث التاريخي فالمهم بالنسبة الينا ان الكنيسة تركز في قراءاتها على المعنى الروحي للحدث الروحي وقد اوجزه لنا بولس الرسول في رسالته الاولى الى اهل كورنثوس : " كما لبسنا صورة الترابي سنلبس ايضا صورة السماوي ... اذا نحن ايضا سنتغير " ( 1كورنثوس 49:15 و52) .




لا شك ان لمريم وضعاً خاصاً وامتيازات خاصة ولكن لنا شفيعة اذا لم تهملنا برقادها ممهده لنا الطريق الى السماء واضعة نصب اعيننا امكانات الطبيعة الانسانية الكامنة في طياتها المنتظرة ندى الروح القدس لكي تنفتح وتتدفق حياة وقداسة .




مع محبتي للجميع بالمسيح ربنا آمين
كل عام و الجميع بألف خير
سامر يوسف الياس مصلح
بيت ساحور - 28-08-2012

السبت، 25 أغسطس 2012

الأحد الثاني عشر بعد العنصرة






الرسالة: 1 كورنثوس 1:15-11

يـا إخـوة أُعـرّفكم بـالإنجيل الذي بـشّرتُكم بـه وقـبلتموه وأنـتم قائـمون فـيه، وبـه أيـضاً تـخلُصون إن كنـتم تـذْكُرون أيّ كلام بـشّرتُكم بـه، إلا إذا كـنتم قد آمـنتم بـاطلاً. فـإنـي قـد سلّمتُ إليـكم أولاً ما تــسلّمتـه أن المسيـح مات من أجل خـطايانا على ما في الكتـب، وأنـّه قُبـر وانه قـام في اليوم الثالث على ما في الكتب، وأنه تـراءى لصفا ثم للإثـني عشر، ثم تـراءى لأكثـر من خمس مئة أخ دفـعة واحدة أكثـرُهم بـاقٍ حتـى الآن وبــعضُهم قد رقـدوا، ثـم تـراءى ليـعقوب ثـم لجـميع الرسل، وآخـر الكـل تـراءى لي أنـا أيضاً كأنــه للسقْـط، لأني أنـا أَصغرُ الرسل ولستُ أهلاً لأن أُسمّى رسولاً، لأنـّـي اضطهدتُ كنــيسة الـله، لكنّي بـنعمة الله أنا ما أنا. ونــعمتُه المعطاةُ لي لم تــكن بـاطلـة، بـل تــعبتُ أكثر من جـميـعهم، ولكن لا أنا بـل نــعـمة الـله التي مـعي. فسواء كنـت أم أولئك، هكذا نـكـرز وهكـذا آمـنـتم.

الإنجيل: متى 16:19-22

فـي ذلك الزمان دنـا إلى يـسوع شاب وجثـا له قائـلاً: أيـها المعلّم الصالح مـاذا أَعمل مـن الصلاح لتـكون لي الحيـاة الأبـديـة؟ فقال له: لماذا تـدعوني صالحاً وما صالحٌ إلا واحدٌ وهـو الله؟ ولكـن إن كنـت تـريد أن تـدخل الحيـاة فاحفظ الوصايـا. فـقال له: أيـّة وصايـا؟ قال يـسوع: لا تـقتل، لا تـزنِ، لا تـسرق، لا تـشهد بـالزور، أَكرمْ أبـاك وأُمّك، أَحبـب قريـبك كنـفسك. فـقال له الشاب: كل هذا قـد حـفظتُه منـذ صبائـي، فـماذا يـنقصني بـعد؟ قال له يسوع: إن كنتَ تــريـد أن تكـون كاملاً فاذهب وبــع كـل شـيء وأعـطـه للمساكين فيكون لك كنـز في السماء وتـعال اتـبعني. فلمّا سمع الشاب هذا الكلام مضى حزيـناً لأنّه كان ذا مالٍ كثـير. فقال يـسوع لتلاميـذه: الحق أقول لكم إنـه يـعسر على الغنيّ دخول ملكوت السماوات؛ وأيـضاً أقول لكم إن مرور الجمل من ثـقب الإبرة لأسهل من دخـول غنيّ ملكوت السماوات. فـلما سمع تلاميذه بُـهتوا جـداً وقـالوا: مـن يـستطيع إذن أن يـخلص؟ فنـظر يـسوع إليهم وقال لهم: أمّـا عند الناس فلا يـُستطاع هذا، وأمّا عـند اللـه فكـل شيء مستطاع.
الشاب الغني

سؤاله ليسوع: "أيها المعلم الصالح ماذا أعمل من الصلاح لتكون لي الحياة الأبدية" سؤال محير. عبارة "الحياة الأبدية" وردت مرة واحدة في العهد القديم (دانيال 12: 2) وعنت حياة الراقدين من بعد قيامتهم. أما في العهد الجديد فقد وردت كثيرا. هل إن هذا الشاب سمع يسوع يتكلم عليها وأراد استيضاحه؟ هل ابتغى شيئا ابعد أو أعمق من العهد القديم؟ الأكيد أنه أحب أن يسعى مع الله. 

أما السيد فأجابه: لماذا تدعوني صالحا وما صالح إلا الله وحده؟ هذا الرجل ما كان يعرف أن يسوع إله وما كان يعرف أنه صالح. في كلامه شيء كثير من المجاملة. فكأن الرب يقول إن اعتبرتني إنساناً فقط فلا يسوغ أن تسميني صالحاً. مع ذلك يجيب المعلم عن السؤال: ماذا أعمل؟ احفظ الوصايا. بها الإنسان يحيا.

ليس المهم فقط أن تحفظ الوصايا على ظاهرها: لا تقتل، لا تسرق. القلب هو الذي ينشئ فيك الطاعة إذ يمكن ألا تسرق ويبقى قلبك سجين المال. يمكن ألا تزني فعلياً والشهوة فيك. المطلوب أن يكون قلبك ممتلئاً من الله، ألا يحكمك إلا الله. في حالة هذا الشاب المطلوب "بع كل شيء لك وأعطه للمساكين... وتعال اتبعني".

هناك من بدد ماله كليا على الفقراء وترهب لله. ولكن إن كنت عائشاً في العالم مسؤولاً عن عائلة لا يجوز أن تعطي كل مالك للفقراء. ما معنى كلام يسوع إذاً؟ ما يريده المسيح ألا يكون للمال أية مكانة في قلبك، تستعمله ولا تشتهيه، تكون حراً منه بحيث تعطي بعضاً منه أو الكثير إذا احتاج إليه غيرك.

غير أن السيد رأى أن الأغنياء في الواقع متعلقون بما عندهم ولذلك قال إنه عسير عليهم دخول ملكوت السماوات. صعب عليهم أن يروا أن الله كل شيء. مالهم والجاه الذي يتبعه إغراء دائم أمامهم كما أن الجمال موضع اعتزاز عند الجميل والذكاء عند الذكي والسلطة عند الحاكم، كل ثراء، مادياً كان أم معنوياً، يغري صاحبه. قد يسقط وقد لا يسقط.

لا يسقط الكل. ولكن أي رجاء للغني بعد أن قال يسوع أن بعضاً من الأغنياء يخلصون. هل هذا أمر تعسفي عند الله بحيث ينقذ من يشاء ويحكم على من يشاء؟

الغني يخلص بالعطاء. يسوع لا يعطي وصية ذات طابع حسابي ولا يقول عشِّر مالك كما في العهد القديم أو وزع نسبة معينة مفروضة على كل المسيحيين. ولكنه يوحي بأنه يحب أن تكسب روح المشاركة والأخوة مع الفقير فلا تحب لنفسك ما لا تحبه له. يقول: يجب أن تعطي ذلك المقدار الذي يجعلك تحس بأنك قضيت على شهوة المال. المهم أن تتحرر داخلياً من هذا الذي كان يستعبدك. ولهذا عليك أن تبذل شيئاً محسوساً على قدر ثروتك.

جاء يسوع ليحرر القلوب. هذه الحرية هي دخولنا ملكوت الله
ايها الاحباء: انجيل هذا الاحد هو انجيل الشاب الغني. هذا الشاب يقترب من المسيح ويسأله ماذا افعل كي أرث الحياة الابدية؟ ويرد عليه المسيح ويسرد له اولاً بعض الوصايا. فيرد الشاب ويقول انه قد حقق كل هذه الوصايا منذ صباه. فيجيبه المسيح ويقول له: ينقصك شيء واحد ” اذهب فبع ما تملك وأعطه للفقراء، فيكون لك كنز في السماء، وتعال فاتبعني”. فذهب الشاب حزيناً لانه كان ذو مالٍ كثير.

وفي انجيل مرقس يقول يسوع ما اعسر دخول المتكلين على الاموال الى ملكوت اللة “مر24:10 وايضا الغنى يؤدي الى خطايا كثيرة منها التكنيز الذي قال الرب يسوع عنه ” لاتكنزوا لكم كنوزا على الارض “وليس كل غنى يحكم عليه بعدم دخوله ملكوت اللة … انما كان يقصد يسوع .. عبادة المال … كما قالها من قبل ” لايقدر احد ان يخدم سيدين اما الله او المال.ويعطينا الرب لنا مثلا اخر … عن الغني الغبي الذى قال في نفسة ” اقول لنفسي يانفسي لك خيرات كثيرة استريحي وكلي واشربي وافرحي فقال له الله ياغبي هذة الليلة تطلب نفسك منك فهذه الذي اعددتها لمن تكون “لوقا 12:19
ويقول لنا الرب  ايضا فى انجيل لوقا عن قصة لمن يتهاون من الاغنياء فى حق المساكين …. قصة الغني والفقير العازر.


لكن ما استوقفني في انجيل اليوم، هو ان الشاب يسأل: ماذا افعل لارث الحياة الابدية؟ الشاب يبحث عن الحياة الابدية، ويعرف انها حياة يرثها بعد الموت، اي انها شيء مرتبط بالحياة القادمة. الحياة الابدية هي حياة تخص المستقبل والعالم الآتي. ويرد المسيح بطريقة غريبة: “اذهب فبع ما تملك وأعطه للفقراء، فيكون لك كنز في السماء، وتعال فاتبعني”. اي ان المسيح لا يقول له ماذا يجب ان يفعل كي يرث الحياة الابدية. بل يقول له ماذا يفعل كي يرى ويتذوق الان تلك الحياة الابدية. المسيح لا يضع امامه شرط كي يكسب الحياة الابدية، بل يضع امامه الطريق كي يختبر تلك الحياة ويحياها منذ الآن. نعم منذ الآن فالحياة الابدية هي بالفعل حاضرة. يسوع المسيح لا يدعو الشاب ان ينتظر شيئا في المستقبل بل ان يبدأ يتنعم الآن من تلك الحياة الابدية، نعم الآن. ان يتبع المسيح، ان يسير وراءه، ان يسير على خطاه، تلك هي الحياة الابدية التي من الممكن ان نتذوقها الآن.
ومن الملاحظ أن السيد المسيح وضع الصعوبة أمام الشاب، ولكنه لم يتركه لمواجتها، إذ أعطاه طريق الانتصار في القول : «اتبعني» أو في لغة أخرى أن المسيح لا يمكن أن يترك الشاب في الفراغ بعد أن يوزع كل ثروته، بل ستتحول شركته مع المسيح، إلى ثروته الحقيقية، وسيعطيه المسيح ذلك الغنى الروحي.

الذي يجعله يقول ما قاله الرسول الالهي بولس : « إني أحسب كل شيء أيضًا خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي الذي من أجله خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح» (فيلبي 3 : 7و8).

وكان الطمع هو ما رآه المسيح في الشاب الغني، عندما ذكر له الرب خمساً من الوصايا العشر، ثم ذكر له مضمون الوصية العاشرة بالقول: “بع كل شيء ووزع على الفقراء” (لو 18: 20- 22)، إذ لمس بذلك وتراً حساساً فيه، “فلما سمع ذلك حزن لأنه كان غنياً جداً” (لو 18: 23).

ويذكر بولس الرسول  الطمع -بكل صوره كأكبر مظهر للخطيئة ويقول في رسالته الأولى لتيموثاوس: “لأن محبة المال أصل لكل الشرور، الذي إذا ابتغاه قوم ضلوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة” (1 تي 6: 10) .

وهكذا يصبح الطمع أصلاً لكل الشرور، ويقول يعقوب الرسول: “من أين الحروب والخصومات بينكم، أليست من هنا، من لذاتكم المحاربة في أعضائكم؟ تشتهون ولستم تمتلكون. تقتلون وتحسدون.. تطلبون ولستم تأخذون،لأنكم تطلبون ردياً لكي تنفقوا في شهواتكم “(يع 4: 1-3)، فالطمع يدفع إلى الخصومات والحروب.

فنسأل هل معقول اوزع اموالي على الفقراء والمحتاجين وافقد كل اموالي وخاصة اذا كنت عائشا في العالم مسؤولا عن العائلة ،لايجوز ان تعطي كل مالك للفقراء.

ما معنى كلام يسوع اذا؟ ما يريده المسيح ألا يكون المال اية مكانة في قلبك، تستعمله  ولا تشتهيه ،تكون حرا منه بحيث تعطي بعضا منه او الكثير اذا احتاج اليه غيرك .لا تكن محبا للمال انما يكون المال وسيلة وليس غاية وان تكون على يقين ان ملكوت الله هو الاول في حياتك ،قال الرب يسوع بل اطلب ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم (لوقا 12: 31) .
لذلك اسع ان يكون لك كنزا فى السماء اولا ..كنزا من اعمالك الصالحة فيقول الكتاب المقدسلانة حيث يكون كنزكم هناك يكون قلبكم ايضا” لو33:12 .وحينئذ تقول للرب كما قال بطرس الرسول” ها نحن تركنا كل شي وتبعناك فتنال قول الرب ” الحق الحق اقول لكم انتم الذين تبعتموني متى جلس ابن الانسان على كرسي مجده تجلسون انتم ايضا على اثني عشر كرسيا” متى 28:19..
ولكن صدقوني الذي تبع الرب يكون معه وفي حضنه.وايضا يقول الرب ” من ترك بيتا او اخوة او اخوات او ابا او اما او امرأة او اولادا وحقولا لاجلي ولاجل الانجيل الا وياخذ مئة ضعف الان.

يقول القديس اكلمنضس الاسكندري في كتابه:” اي غني يخلص” الخلاص لا يرتبط بامور الخارجية ، الغني يخلص بالعطاء بالفضيلة بالايمان بالمحبة والاخوة والتواضع ،الخلاص يكون في ان يكتسب الغني روح المشاركة والاخوة مع الفقير فلا يحب لنفسه ما لا يحب للفقير، الغني لكي يخلص عليه ان يعطي المقدار الذي يجعله يحس بانه قضى على شهوة المال وان يتحرر منه داخليا بعد ان كان يستعبد في قلبه.جاء يسوع ليحرر القلوب .وهذه الحرية هي دخولنا ملكوت الله .

وهذا ما هو مطلوب من الانسان هو الحرية،الحرية من اجل طاعة وتنفيذ وصايا الرب ،اذ بوصايا الرب يحيا الانسان . الحرية هي ان تصنع ما يتمناه الله وما يأمر به وما يوصي به ، والشاب الغني لم تكن له مثل هذه الحرية .

يا احبائي :
فيجب ان نطلب الله وحده ونحبه لكي نرث ملكوته والحياة الابدية ما اكثر الذين يصرفون حياتهم في طلب الدنيا وحطامها .
ما اشد وقع الموت الانسان المتمسك باموال هذه الحياة الفانية عندما يجبر على تركها ، فالحزن يملا قلبه ويميته كما حزن الشاب .
يا احبائي : من شاء منكم ان يرث الملكوت يجب ان يضع رجاءه واتكاله في الله وحده لذلك فهو لايخاف من الموت نفسه ولا يضطرب مهما سيتعرض له
تعودوا منذ الآن وتدربوا انفسكم على الانفصال عن الدنيا بطيبة خاطر، لكي لا تستصعبوا وقع الموت الذي يجبرنا على ترك هذه الحياة الفانية ، ضعوا رجائكم والقوا على الرب همكم وثقوا به فلا يقترب منكم الشر .

يقول الكتاب المقدس ألق على الرب همك وهو يساعدك ولا يدع الصديق يتزعزع الى الابد.

اخيرا أحبوا الله محبة صادقة من اعماق قلوبكم
لا مثل ما احبه ذلك الشاب بالسؤال فقط
اعملوا لكي تحيوا وتحصلون على الخلاص غير مكترثين بما يعرضوا عليكم .

مع محبتي للجميع بالمسيح ربنا آمين
كل عام و الجميع بألف خير
سامر يوسف الياس مصلح
بيت ساحور - 26-08-2012

السبت، 18 أغسطس 2012

الأحد الحادي عشر بعد العنصرة - أحد عيد تجلي ربنا و مخلصنا يسوع المسيح




في يوم 6 ، 19 آب من كل عام تحتفل الكنيسة الأرثوذكسية بتجلي السيد المسيح أمام أعين تلاميذه على جبل طابور، وهذا العيد المجيد هو من أهم الأعياد الروحية، لأن فيه تعييد وفرح بظهور مجد المسيح وبهائه علناً في الجسد، إنه تعييد لظهور مجد الملكوت الأبدي منظوراً في جسد بشري هو جسد ابن الله يسوع، ولكن للأسف لسبب مجيء هذا العيد دائماً في وسط صوم السيدة العذراء فإننا قليلاً ما نلتفت لأهميته وجلاله غير المعتاد ولقد أدرك آباء الكنيسة منذ العصور الأولى أهمية وعظمة هذه الحادثة حادثة التجلي، فتكلموا عنها كثيراً في كتاباتهم وعظاتهم.



تجلي المسيح إعلان مسبق لحالة ملكوت الله:

قال الرب يسوع قبل حادثة التجلي بأيام قليلة: "الحق أقول لكم أن من القيام ههنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتياً في ملكوته" (متى 28:16) أو "حتى يروا ملكوت الله قد أتى بقوة" (مرقس 1:9). وقد حقق يسوع وعده هذا لثلاثة من تلاميذه الذين كانوا معه عندما نطق بهذه الكلمات وهم بطرس ويعقوب ويوحنا، إذ بعد ستة أيام أخذهم وصعد بهم إلى جبل عال (طابور)، وعلى هذا الجبل العالي تغيّرت هيئة المسيح قدام تلاميذه وأضاء وجهه كالشمس وثيابه صارت بيضاء كالنور، وكان النور الذي يشع من وجه المسيح شديد اللمعان حتى أن بطرس ظن أنه واقع تحت تأثير الشمس فعلاً ولذلك قال ليسوع "يا رب جيد أن نكون ههنا فإن شئت نصنع لك ثلاث مظال" (متى 4:17) ولكن النور الشديد كان هو نور اللاهوت الأشد لمعاناً من الشمس الطبيعية، وهذا يبين أن النور الذي كان يشع من جسد يسوع ويخترق ثيابه ويجعلها مضيئة أيضاً كان نور حقيقياً منظوراً ولم يكن فقط استنارة لعقول التلاميذ هذا النور ليس نوراً مخلوقاً كنور الشمس بل هو نور الطبيعة الإلهية النور الأزلي غير المخلوق إنه نور العالم الذي كوّن العالم وقد احتجب هذا النور بواسطة جسد المسيح ولكن حتى في الأوقات التي لم يظهر فيها المسيح متجلياً بهذا النور فإنه كان موجوداً ولكنه أخفى بإرادته هذا المجد والبهاء بواسطة الجسد حتى يستطيع الناس أن يقتربوا منه في صورة إنسان عادي، وفي وقت التجلي قصد المسيح أن يرى التلاميذ الثلاثة هذا المجيء الإلهي المستقر حتى يعرفوا نوع المجد الذي سيأتي به المسيح في مجيئه الثاني. وفي هذا يقول القديس باسيليوس الكبير: "إن التلاميذ الثلاثة رأوا جمال المسيح الإلهي وجعلوا مستحقين أن يروا بعيونهم بداية المجد الذي سيظهر به في مجيئه الثاني من السماء" (شرح مزمور 44).  
ويقول القديس غريغوريوس الثيولوغوس: "إنه في وقت التجلي اخترقت ألوهية المسيح جسده الذي كان يحجب مجد الألوهة" ، ويقول: "إن الرب في مجيئه الثاني سيأتي بجسد مشابه لما أظهره لتلاميذه على الجبل" (الرسالة 101).

ويقول القديس يوحنا فم الذهب: "إن القصد من التجلي هو أن يعرف التلاميذ ويروا بقدر المستطاع نوع المجد الذي سيظهر به المسيح في مجيئه الثاني" (عظاته على إنجيل متى). 
 
ويقول القديس مار أفرام السرياني في عظته على التجلي: "إن أولئك القوم الذين قال عنهم الرب أنهم لن يذوقوا الموت حتى يروا مثال مجيئه، هؤلاء هم الذين أخذهم معه إلى الجبل وأراهم الحالة التي سيأتي بها في اليوم الأخير، وهذا المجد الذي ظهر في التجلي هو مجد القيامة لذلك أوصى المسيح تلاميذه وهم نازلون من الجبل أن لا يعلموا أحداً بما رأوا حتى يقوم ابن الإنسان من الأموات مشيراً بذلك أن ما رأوه هو حالة نورانية الجسد التي تحدث في القيامة، ولذلك ليس من اللائق أن يتحدثوا عنها قبل أن يقوم هو". والهدف من ظهور المسيح بحالة مجد القيامة قبل حدوث القيامة هو أن نعرف أن المجد الذي سيظهر في القيامة هو موجود أصلاً قبل القيامة لأنه مجد الألوهية الذي كان يحجبه الجسد، ثم بعد الصليب فاض هذا المجد بدون مانع، وظهر علناً في جسد المسيح القائم من بين الأموات، وفي هذا المجد عينه صعد يسوع إلى السماء، وهو الآن في مجد وبهاء ونور يفوق الوصف والتصور، هذه المجد الذي رآه استفانوس عندما شخص إلى السماء وقت استشهاده، وهو النور الذي أبرق حول شاول في طريق دمشق – نور أفضل من لمعان الشمس – حتى فقد بصره من شدة النور، والذي رآه يوحنا في الرؤيا: "وجهه كالشمس وهي تضئ في قوتها".  هذا المجد نفسه مجد المسيح موجودا في الكنيسة التي هي جسده، ولكنه مجد خفي لا يحسه الآن إلاّ الذين ينير الروح القدس عيون قلوبهم ليروا المسيح حياً فيهم وفي وسطهم بمجده ومجد أبيه. وهذا هو المجد نفسه الذي سيظهر به في مجيئه الثاني، وفي مجيئه الثاني سيغير أجساد المؤمنين ليكونوا على صورة جسد مجده كما يقول الرسول بولس وكما يقول الرب نفسه: "وحينئذ يضئ الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم" (متى 43:13)، إذا فتجلي المسيح لا يرينا فقط حالة المجد التي سيأتي بها هو في مجيئه الثاني، ولكنه يرينا أيضاً الحالة التي سيكون عليها أولاد الله، في الدهر الآتي عند مجيء المسيح، وهذا ما يصرّح به يوحنا الرسول: "ولكن نعلم أنه إذا أظهر نكون مثله لأننا سنراه كما هو، وكل ما عنده هذا الرجاء به يطهر نفسه كما هو طاهر" (1 يوحنا 2:3) 

 
تجلي المسيح وحياتنا الحاضرة:

وإن كان نور التجلي يرينا حالة المجد الذي سيستعلن فينا، فإن المجد الذي سيظهر في المستقبل مستمد من المسيح شخصياً، وعربون هذا المجد يناله المؤمنون هنا، على الأرض، مسكن الروح القدس واضطرامه فيهم، لأن الروح القدس الذي يُعطى لنا الآن من المسيح هو عربون ميراثنا، أي هو عربون المجد السماوي الذي يتحقق بمجيء المسيح.

المسيحي موجود في العالم، ولكن الحياة الجديدة التي ينالها بالمسيح منذ الآن هي ليست من هذا العالم، ولذلك فالمسيحي ليس من العالم، ولكنه يعيش في العالم، المسيحي الذي يؤمن بالمسيح وينال روحه بداخله هو ينتظر باشتياق مجيء الرب، لأن نور المسيح المتجلي، المسيح الحي، قد أشرق في قلبه، وبهذا النور يحس بقلبه، جمال مجد المسيح، ولذلك يشتاق إلى يوم الاتحاد الكامل بالرب "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ذاك أفضل جدا" (فيلبي 23:1).

ولكن المسيح يعد منذ الآن للاشتراك في المجد الآتي وهذا الإعداد يتم بتطهير القلب من الظلمة ومن الخطية، بقوة نور المسيح، الذي ينقلنا من الظلمة إلى النور. يقول الرب يسوع "أنا قد جئت نوراً إلى العالم حتى أن كل من يؤمن بي لا يمكث في الظلمة" (يوحنا 46:12)، ويقول أيضاً "آمنوا بالنور لتصيروا أبناء النور" (يوحنا 36:12)، إن الإيمان بيسوع بالحق وبكل القلب، والالتصاق بيسوع الذي هو النور، يجعلنا نتحول من الداخل ونصير منيرين، أي أبناء النور. ولذلك يقول الرب يسوع: "أنتم نور العالم" (متى 14:5) لأن الإنسان الذي يؤمن بالمسيح ويتبعه تمتلئ حياته بقوة نور المسيح، ويظهر هذا النور في أعماله فيصير موصلاً لمحبة المسيح وصلاحه، وشاهداً للنور الأصلي، الذي اكتسب منه قوة الإنارة، أي المسيح.


يقول الرب يسوع: "سراج الجسد هو العين، فمتى كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيراً، ومتى كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلماً، أنظر إذاً لئلا يكون النور الذي فيه ظلمة" (لوقا 33:11)، والعين البسيطة هي القلب الذي ينظر إلى المسيح ببساطة واستقامة وحب، فيمتلئ من نور المسيح الذي يدخل حتى أعماق القلب، والقلب الذي يمتلئ بنور المسيح، تهرب منه الظلمة بكل أنواعها ويصير قلباً نقياً يستطيع أن يرى مجد الله "طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله" (متى 8:5).

فمن يريد أن تتجلى حياته بنور المسيح المشرق لا بد أن يهتم بتطهير قلبه، كما يقول يوحنا "كل من عنده هذا الرجاء به يطهر نفسه كما هو (المسيح) طاهراً (1 يوحنا 3:3). ومن الجهة الأخرى فإن القلب يتنقى ويصير مضيئاً عن طريق النظر الداخلي إلى المسيح، والاتصال به كثيراً في الصلاة، كما يقول الرسول بولس "ونحن جميعاً ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف، كما في مرآة نتغيّر إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح ... أي بمداومة التطلّع إلى المسيح بقلوبنا ننظر داخلياً مجد المسيح" ولكن يقول الرسول "كما في مرآة" أي ليس عياناً، بل نرى مجد المسيح منعكساً على مرآة قلوبنا وهذا المجد الذي ننظره هو يغيرنا من الداخل، إذ يجعلنا نكتسب قوة نور المسيح في داخلنا فنتجدد بقوة النور الإلهي باستمرار لنصير مشابهين لصورة مجد المسيح. وهذا هو عمل الروح القدس فينا.

إن نور المسيح الذي يشرق في قلوبنا الآن هو نور خفي لا ينظر الآن ولكن هذا النور الذي يختزن فينا منذ الآن ويعمل في تجديدنا يوماً فيوماً هو نفسه، الذي سيشرق على أجسادنا ليحقق مجد القيامة عند مجيء المسيح. كما يقول القديس مكاريوس "وبمثل ذلك تتمجد أجساد القديسين في قيامة الأبرار، وهذا المجد عينه تحسب النفوس القديسة الأمينة أهلاً لاقتنائه في الإنسان الباطن حتى في هذه الحياة الحاضرة ... أعني مجد النور، ونقاوة الروح العقلية التي تُمنح لهم منذ الآن بأسلوب خفي، فمن ثم يظهر ذلك في جسدكم أيضاً في القيامة، لأن المجد الذي يحرزه القديسون الآن في نفوسهم، هو بعينه يستر أجسادهم العارية ويكسوها ويختطفها إلى السماء، فيستريح هناك مع الرب في ملكوته، جسداً ونفساً إلى الأبد" (العظة الخامسة).
  

التجلّي والصليب: 

مما يلفت انتباهنا جداً في حادثة تجلي المسيح، إن موسى وإيليا اللذان ظهرا معه بمجد وقت التجلي كانا يتكلمان معه عن خروجه الذي كان عتيداً أن يكمله في أورشليم (لوقا 31:6) آلام الصليب والموت هي موضوع الحديث وقت التجلي. ألا ينبهنا هذا أن الآم الصليب الفادية هي الطريق إلى تحقيق ملكوت الله في الخليقة، ذلك الملكوت الذي أعلن المسيح بداية ظهوره في جسده هو شخصياً بالتجلي.


الصليب أو الموت هو طريق القيامة بجسد المجد، المجد والقيامة والحياة كانت محتجبة ومستترة في جسد المسيح. ولما بذلك المسيح جسده بإرادته مقدماً نفسه بالحب الكامل ليذبح على الصليب، تفجّرت الحياة من داخله وانبثق النور الإلهي حتى ظهر علناً في جسد القيامة المضيء البهي الممجد، الذي لا يسود عليه الموت بعد، لكي يهب الحياة والنور لكل قلب يتبعه ويؤمن به ويثبت فيه.


ولكي يسطع النور فينا نحن لا بد أن ننال حياة المسيح بداخلنا، فنشع بنوره ونصير "نور العالم" "ويضيء نورنا قدام الناس" بأعمال المحبة.

إن أردنا أن نشترك في ميراث النور – يلزمنا أن ننكر ذواتنا ونحمل الصليب ونتبع المسيح. يلزم أن نسلّم ذواتنا تماماً لله طائعين الوصية. يلزم أن نمارس الموت الإرادي عن حب صادق للمسيح. يلزم أن نفتح قلوبنا وكياننا كله للروح القدس لنمتلئ بحياة المسيح، ونعرف قوة قيامته فنستطيع أن نميت أهوائنا على الأرض، طريق صلب الذات والأهواء هو طريق القيامة والتجلي. وهو نفسه طريق المحبة لله من كل القلب، والمحبة للأخوة، هو طريق طاعة وصية المسيح، هو طريق الصلاة والالتصاق بالرب بكل القلب. طريق المحبة من قلب طاهر بشدة. المحبة التي تثبت في النور، "من يحب أخاه يثبت في النور ... أما من يبغض أخاه فهو في الظلمة" (1 يوحنا 10:2) وحب المسيح هو النور الطارد للظلمة.

المسيح يدعونا بتجليه أن نشترك معه، فلنضع المسيح الممجد بالصليب أمام قلوبنا، ولنملأ قلوبنا دوماً يوماً فيوماً بنور وجه المسيح بالتطلع الدائم نحوه في الصلاة وفي الإنجيل وفي الأفخارستيا، فكل ما تختزنه قلوبنا الآن من نور المسيح في الداخل، هو الذي سيشع ويفيض على أجسادنا في القيامة عند مجيء المسيح. وهذا هو المجد الذي سيستعلن فينا، المجد الذي تنتظره أيضاً الخليقة كلها. "انتظار الخليقة يتوقع استعلان أبناء الله ... لأن الخليقة ستعتق من عبودية الفساد إلى حرية مجد أولاد الله" (رومية 19:8). إن الكون المادي سيتجلى بنور مجد المسيح عندما تتغير الأجساد في مجيء المسيح وتضيء بمجد القيامة، هذه هي السماء الجديدة والأرض الجديدة التي ننتظرها حسب وعد الرب.

إن مجد الدهر الآتي قد حلّ فينا منذ الآن. وعلينا أن نراه ونتذوقه بالروح القدس كعربون داخلي خفي في نفوسنا، إلى أن يأتي الرب ويكمل اتحادنا به إلى الأبد. آمين.


من أقوال آباء الكنيسة عن التجلي: 

منظر عجيب ومشهد سام غريب على جبل تابور! نور سطع على جبل تابور، فأضاء منه جبل حرمون، كما يهتف الملك والنبي داود نبوياً "تابور وحرمان باسمك يتهللان".

نور بزغ من يسوع المسيح الذي هو شعاع مجد الآب وصورة أزليته، نور شهده ثلاثة شهود وهم: بطرس ويعقوب ويوحنا الذين سبق مخلصنا فأنبأ قبل تجلّيه بستة أيام عن مشاهدتهم هذا النور الإلهي والمجد الأزلي بقوله: "ههنا قوم من القيام لا يرون الموت حتى يعاينوا ابن البشر آتياً بمجده". لذلك يقول متى البشير "ومن بعد ستة أيام ..." أي بعد ستة أيام من هذا الوعد، أو بعد "ثمانية أيام" بحسب رواية لوقا البشير، لأن القديس متى أراد بالستة أيام تلك التي بين يوم الوعد ويوم التجلي وأن القديس لوقا فإنه أراد بالثمانية أيام يوم الوعد ويوم التجلي والستة أيام التي بينهما. فمن بعد هذا الوعد أخذ يسوع تلاميذه بطرس ويعقوب ويوحنا وصعد بهم إلى جبل عال وتجلّى أمامهم فأضاء وجهه كالشمس وصارت ثيابه بيضاء كالنور وظهر لهم موسى وإيليا يتكلمان معه والنور الإلهي الذي يتمتع برؤيته ملائكة السماء قد شاهده تلاميذ الرب على جبل تابور فكان الجبل سماء والناس ملائكة.
    أما غاية التجلّي فهي: 

أولاً: ليظهر أن يسوع المسيح هو إله وابن الله معادل لأبيه في الألوهية وكامل 

     الصفات الجوهرية.

ثانياً: لكي إذ عاينوه مصلوباً يفطنوا أن آلامه طوعاً باختياره لا جبرا عنه، وهذا 
      وذاك قد أشار إليهما قنداق التجلي.

ثالثاً: لكي يرسم لنا المجد العتيد أن يتمتع برؤيته الطوباريون في الملكوت السماوي.

رابعاً: لكي يوضح لنا أن الأبرار هكذا يلمعون كالشمس في ملكوت أبيهم. 

أما ظهور موسى وإيليا فهو ليبيّن لنا أن يسوع المسيح هو موسى ولا إيليا ولا واحد من الأنبياء كما كان يظنه البعض بل هو "رب" موسى والأنبياء. ولذلك ظهر إيليا الحي وموسى من عالم الأموات ليحققا لنا أن يسوع المسيح هو إله الأحياء والأموات. 

هلمّوا نصعد إلى جبل تابور فنعاين هناك منظراً عجيباً ومشهداً غريباً. هلمّوا لنشاهد نوراً اندهش منه القديس بطرس فلم يسعه إلا أن يهتف نحو مخلصنا هكذا " يا رب جيد أن نكون ههنا فلنصنع ثلاث مظال: لك واحدة ولموسى واحدة ولإيليا واحدة". 
 
ولماذا أيها المغبوط بطرس؟
فيجيبنا قائلاً: لأني أتمتع بمنظر وفرح وسلام.
- أتمتع بمنظر – إذ أشاهد نوراً يفوق البدر بهاء والشمس ضياء. 
- أتمتع بفرح – لأن منظر النور البهي من شأنه أن يملأ القلوب فرحاً وسروراً والنفوس بهجة وحبوراً. 
- أتمتع بسلام – لأننا بعيدون عن ضوضاء العالم، بعيدون عن طالبي يسوع لكي يميتوه. 


وفيما هو يتكلّم بهذا إذا سحابة منيرة لا مظلمة كتلك التي شاهدها موسى على جبل سيناء وإيليا على جبل حوريب، بل سحابة منيرة قد ظللتهم وصوت من السحابة يقول: "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت فله اسمعوا".

"له اسمعوا" ولماذا؟ - لأن الله سبحانه وتعالى أراد أن ندخل الحياة من الباب الذي دخل منه الموت: لأنه كما أن الموت دخل من أذن مصغية لأقوال معلم كاذب هو الشيطان بفم الحية، لذلك أراد أن ندخل الحياة من أذن صاغية إلى أقوال معلم صادق هو يسوع المسيح "فله اسمعوا" . 

فله اسمعوا يا جميع الأمم وانصتوا يا جميع سكان الدنيا الغني والفقير معاً وجميع بني البشر فإن "فمه يتكلّم بالحكمة وقلبه يهذّ بالفهم" فله اسمعوا. 

يعلمكم تعاليم سامية شريفة، تعاليم روحية سماوية، تعاليم مقدسة خلاصية، تعاليم أدبية مملوءة من الحكمة الإلهية، فله اسمعوا.
يريد منكم أن تحبوا بعضكم بعضاً – بل أن تحبوا أعداءكم وتباركوا لاعنيكم وتحسنوا إلى مبغضيكم. 

يعلمكم بأن تكونوا ذوي قلوب طاهرة، وأفكار صالحة، وضمائر نقية، وأعمال مستقيمة. يريد منكم أن تتنزهوا عن الحقد والبغض والرياء والغش والخداع والنميمة والتجديف والكلام البطال وكل ما من شأنه أن يشين الإسم المسيحي، فله اسمعوا. 
يوصيكم بالآية الذهبية التي أذهلت الفلاسفة حتى طأطأوا لها الرؤوس إجلالاً وهي: "كما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا أنتم أيضاً بهم". 

يريد منكم وإن كنتم بشراً طبعاً أن تكونوا ملائكة وصفاً، آلهة وبني العلي وضعاً. 

وخلاصة القول: إن أردتم أن تماثلوا جبل تابور فيأتي يسوع المسيح ويتجلّى في قلوبكم وفي نفوسكم "فله اسمعوا" وحينئذ ينحدر لا من جبل تابور مع موسى وإيليا بل من تابور العلوي مع أبيه السماوي وروحه القدوس ويتجلى في قلوبكم وفي نفوسكم. 

فسبينا إذاً أن نكون لأقوال يسوع سامعين، ولوصاياه حافظين، ولأوامره تعالى متممين، وعن مرضاته مستفحصين، وحينئذ نماثل جبل تابور بل نفوز بمجد تابور العلوي الذي كان نور تابور رسماً ومثالاً له، وهناك نلمع كالشمس في ملكوت ربنا يسوع المسيح الذي له المجد والإكرام والسجود مع أبيه الذي لا بدء له وروحه القدوس من الآن وإلى دهر الدهور. آمين.


مع محبتي للجميع بالمسيح ربنا آمين
كل عام و الجميع بألف خير
سامر يوسف الياس مصلح
بيت ساحور - 19-08-2012

السبت، 11 أغسطس 2012

الأحد العاشر بعد العنصرة






الأحد العاشر بعد العنصرة

الرسالة: 1كورنثوس 9:4-16
يا إخوة إنّ الله قد أَبرزَنا نحن الرسل آخري الناس كأننا مجعولون للموت، لأنّا قد صرنا مشهدا للعالم والملائكة والبشر. نحن جهّال من أجل المسيح، أما انتم فحكماء في المسيح. نحن ضعفاء وأنتم أقوياء. انتم مكرَّمون ونحن مُهانون. والى هذه الساعة نحن نجوع ونعطش ونعرى ونُلطَم ولا قرار لنا، ونتعب عاملين. نُشتَم فنبارِك، نُضطهَد فنحتمل، يُشنّع علينا فنتضرّع. قد صرنا كأقذار العالم وكأوساخ يستخبثها الجميع إلى الآن. ولستُ لأُخجلكم أَكتب هذا وإنما أَعظكم كأولادي الأحباء، لأنه ولو كان لكم ربوة من المرشدين في المسيح ليس لكم آباء كثيرون، لأني أنا ولدتكم في المسيح يسوع بالإنجيل. فأَطلب إليكم أن تكونوا مقتدين بي.
الإنجيل: متى14:17-23
في ذلك الزمان دنا إلى يسوع إنسان فجثا له وقال: يا رب ارحم ابني فإنّه يُعذّب في رؤوس الأهلة ويتألّم شديدا لأنه يقع كثيرا في النار وكثيرا في الماء. وقد قدّمته لتلاميذك فلم يستطيعوا أن يشفوه. فأجاب يسوع وقال: أيها الجيل الغير المؤمن الأعوج، إلى متى أكون معكم؟ حتى متى أَحتملكم؟ هلم به إليّ إلى ههنا. وانتهره يسوع فخرج منه الشيطان وشُفي الغلام من تلك الساعة. حينئذ دنا التلاميذ إلى يسوع على انفراد وقالوا له: لماذا لم نستطع نحن أن نُخرجه؟ فقال لهم يسوع: لعدم إيمانكم. فإني الحق أقول لكم، لو كان لكم إيمان مثل حبة الخردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقلْ من ههنا إلى هناك فينتقل ولا يتعذّر عليكم شيء. وهذا الجنس لا يخرج إلا بالصلاة والصوم. وإذ كانوا يترددون في الجليل قال لهم يسوع: إن ابن البشر مزمع أن يُسلَّم إلى أيدي الناس فيقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم.
العيش بالإيمان
روي عن القديس مكاريوس المصري أنه فيما كان يحادث تلاميذه عن الإيمان، وحالما بدأ بالاستشهاد بكلمات الرب: ” فقال لهم يسوع: لعدم إيمانكم. فالحق أقول لكم: لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل: انتقل من هنا إلى هناك فينتقل، ولا يكون شيء غير ممكن لديكم” ( متى 17/20) ، بدأت هضاب قريبة منهم بالاهتزاز والتحرك. فاستدار القديس باتجاهها وقال لها اهدأي. أنا لم آمركِ أن تتحركي. فسكنت التلال.

بالطبع، لم يقصد يسوع بكلماته عن تحرك الجبال بفعل الإيمان المعنى الحرفي، كما أنه لم يقصد حرفياً قلع العيون بكلماته: ” وإن أعثرتك عينك فاقلعها وألقها عنك. خير لك أن تدخل الحياة أعور من أن تلقى في جهنم النار ولك عينان” (متى 18/9)، بل استخدم المسيح صوراً صارخة كهذه لكي يصوّر حقائق مهمة، مثل: وجوب تجنّب أسباب التجربة بقدر ما تسبب أذى للعين. هكذا أيضاً الجبال التي تتحرك بفعل الإيمان ليست جبالاً مادية بل أحمالاً عظيمة تثقّل على الناس.

لقد حوّل يسوع ببشارته عشارين وزواني إلى أناس جدد للملكوت السماوي. وحرر زكا من طيشه الدنيوي. ومريم المجدلية صارت حرة من ذنبها. والتلاميذ، مع ضعفهم وبساطتهم، صاروا شهوداً للمسيح لا يعرفون الخوف. أي إنسان تلمسه نعمة المسيح ولا يشعر وكأن ” جبال ” الخطيئة والآثام والمرض والخوف قد غادرت حياته؟ وعد المسيح للجميع كان : ” تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال، وأنا أريحكم” ( مت 11/28) ، وأيضاً : ” قد كلمتكم بهذا ليكون لكم في سلام. في العالم سيكون لكم ضيق، ولكن ثقوا: أنا قد غلبت العالم” ( يو16/33).

أما المثال الأبرز على قوة الإيمان فهو تحوّل بولس الرسول المميز. فالذي كان عدواً للمسيح لا يهدأ، صار الرسول الأعظم. لقد دفعته غيرته الشديدة على الإيمان اليهودي، قبل اهتدائه، إلى اضطهاد الكنيسة بدون رحمة وقام بكل ما بوسعه لكي يدمرها (غلا1/13). لقد كان مشاركاً أخلاقياً في قتل استفانوس ( أع7/58؛8/1). ونفذ “تهديداً وقتلاً” (أع9/1) ضد المسيحيين الأوائل، يلقي القبض عليهم ويرميهم في السجن.

لكن عندما التقاه المسيح على طريق دمشق، لم ينظر الله إلى رأسه الخاطئ بل إلى تقوى قلبه، جعله إنساناً جديداً. أية “جبال” أُزيحت عن مياه شاول بخبرة الإيمان هذه! يخبرنا كتاب الأعمال أن شيئاً مثل القشور قد نزل من عينيه (أع9/18)، ويرمز بذلك إلى مغادرة الشر لقلبه واقترابه لفهم سر المسيح (2كو3/14-18). الحقود المهتاج استُبدل برجل يشتعل حباً بالمسيح لدرجة أن لا أحد يستطيع فصله عنه (رو8/38-39). المضطهد السابق للكنيسة صار مبشرها الأعظم، إن قوة الإيمان هي وراء حياة بولس ا لجديدة، وقد اختصر بشارته المدهشة بهذه الكلمات: ” مع المسيح صلبت، فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيّ. فما أحياه الآن في الجسد، فإنما أحياه في الإيمان، إيمان ابن الله، الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي” (غلا 2/20)
القديس سمعان اللاهوتي الحديث، أحد آباء الكنيسة، يقدم، في مقالته “في الإيمان”، خبرة إيمانه الشخصية، مستخدماً صيغة الشخص الثالث (هو) تواضعاً. يتكلم القدس سمعان عن حياته عندما كان شاباً في القسطنطينية وعن توقه العميق لله. بصحبة أب روحي، اختار أن يعيش بثلاثة مبادئ أخذها من كتاب أعطي له:
1-      انتبه دوماً إلى صوت الضمير ولا تعنفه أبداً.
2-      طبّق وصفات المسيح متوقعاً سكنى الروح القدس في ضميرك.
3-      اطلب النور الروحي متشوقاً كما طلب أعمى برتيماوس النور الحسي من المسيح.

حالما بدأ الشاب سمعان بتطبيق هذه المبادئ اشتعل بمحبة المسيح والشوق إليه. فصار يعمل في النهار ويصلي في الليل كما وجّهه ضميره. فوجد نفسه يصلي لساعات طويلة، بغيرة شديدة ودموع، كما لو أن الرب كان حاضراً بالجسد معه، يسقط عند قدميه، وكالأعمى يطلب رحمته. في إحدى الأمسيات، حالما وقف ليصلي ويردد: ” يا الله، ارحمني أنا الخاطئ” ( لو18/13) ، إليك ما حصل بكلماته هو:

” ظهر فجأة سيل من الشعاع الإلهي من فوق وملأ كل الغرفة. .  لم يرَ الشاب الأنوار حوله من كل الجهات.. كان كلياً في حضور النور الغير المادي وبدا وكأنه هو نفسه قد تحول إلى نور، ناسياً كل العالم. امتلأ بالدموع وبفرح وغبطة لا يوصفان… عندما انتهت الرؤيا وعاد الشاب إلى ذاته، ظل مملوءاً بالفرح والدهشة. بكى من كل قلبه.

يقص القديس سمعان خبرته الروحية الأولى لنور المسيح القيامي (التأله) لكي يُري قوة الإيمان الحي وتأثيراته الداخلية. ويعلق قائلاً إنه لا ضوضاء المدينة ولا تجارب الشباب كانت عوائق، بواسطة عطية الله المدهشة، اختبر الشاب وهو على الأرض نور السموات، الذي سوف يعاينه كل المؤمنين في الأبدية. ولم يُمنح هو هذه العطية بسبب جهاده النسكي العظيم، كالصوم القاسي والسهر الطويل، بل بسبب إيمانه المخلص فقط المصحوب بأعمال صالحة واستدعاء الله في صلاة مستمرة.
اقرأ مت 17/14-23، القراءة الإنجيلية المخصصة للأحد العاشر من متى
1-      كيف تصف أفكار ومشاعر والدا المشلول. استفد من وصف النص الإنجيلي لأفعاله   
          وكلماته.
2-      ماذا نتعلم من الآية 17؟
3-      اكتب كلمات يسوع لتلاميذه حو تحريك الجبال بالإيمان (آية 20)
4-      كيف تفسر كلمة الرب ” تستطيعون كل شيء ” على ضوء بشارة يسوع؟
5-      ما ” الجبل” الذي تريد تحريكه من داخله، ولماذا؟
6-      كيف تقوي إيمانك اليوم؟
7-      ماذا تتعلم من مثال القديس بولس الرسول والقديس سمعان وآخرين، لكي تنمو في  
          الإيمان؟
8-      ماذا ستفعل هذا الأسبوع لكي تقوي إيمانك؟

تمد الصلاة الإيمان بالطاقة. الله هو مولد الطاقة، بالصلاة نضع أنفسنا بتصرف الله شخصياً وحالاً. إنه قادر على العمل مباشرة فينا ومعنا ومن خلالنا. تساعدنا الصلاة لنختبر فعل حضور الله الشخص الأول فينا، اللمسات الأولى لمحبته تعالى، الأفراح الأولى للحياة الجديدة في المسيح، دفئنا ومحبتنا لله تصيران أوضح وأقوى. يصبح إيماننا إيماناً حياً. الإمكانيات هائلة طالما نحن مطيعين بروح الصلاة ومنفتحين بشوق على آنية روح الله. يعطينا الله إيماناً حياً ، ينقل الجبال، إيماناً عجائبياً.

مع محبتي للجميع بالمسيح ربنا آمين
كل عام و الجميع بألف خير
سامر يوسف الياس مصلح
بيت ساحور - 12-08-2012